وَرَوَى جَابِرٌ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «إذا خَطَبَ أحدكُمْ فَقَدِرَ عَلَى أن يَرَى مِنْهَا مَا يُعْجِبُهُ وَيَدْعُوهُ إليها فَلْيَفْعَلْ) وَرَوَى مُوسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أبي حُمَيْدٍ وَقَدْ رأى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إذا خَطَبَ أحدكُمْ المرأة فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أن يَنْظُرَ إليها إذا كان إنمَا يَنْظُرُ إليها لِلْخِطْبَةِ»(١) وَرَوَى سليمان بْنُ أبي حَثْمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِثْلَهُ.
وَرَوَى عَاصِمُ الأحْوَلُ عَنْ بُكَيْر بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ المغيرة بْنِ شُعْبَةَ قَالَ:«خَطَبْنَا امرأة فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: نَظَرْت إليها؟ فَقُلْت: لا، فَقَالَ: انظر فإنه لَأَجْدَرُ أن يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا».
فَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ النَّظَرِ إلى وَجْهِهَا وَكَفِّهَا بِشَهْوَةٍ إذا أراد أن يَتَزَوَّجَهَا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أيضا قَوْلُهُ:{لَا يَحِلُّ لَك النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَك حُسْنُهُنَّ} وَلا يُعْجِبُهُ حُسْنُهُنَّ إلا بَعْدَ رُؤْيَةِ وُجُوهِهِنَّ. وَيَدُلُّ عَلَى أن النَّظَرَ إلى وَجْهِهَا بِشَهْوَةٍ مَحْظُورٌ قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم -: «العينان تزنيان وَاليدان تزنيان والرجلان تزنيان وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ الْفَرْجُ أو يُكَذِّبُهُ». وَقَوْلُ ابن مَسْعُودٍ فِي أن مَا ظَهَرَ مِنْهَا هُوَ الثِّيَابُ لا مَعْنَى لَهُ لأنهُ مَعْلُومٌ أنهُ ذَكَرَ الزِّينَةَ وَالمراد الْعُضْوُ الَّذِي عَلَيْهِ الزِّينَةُ، ألا ترى أن سَائِرَ مَا تَتَزَيَّنُ بِهِ مِنْ الْحُلِيِّ وَالْقُلْبِ وَالخلخال وَالْقِلَادَةِ يَجُوزُ أن تُظْهِرَهَا لِلرِّجَالِ إذا لَمْ تَكُنْ هِيَ لابِسَتُهَا؟ فَعَلِمْنَا أن المراد مَوْضِعُ الزِّينَةِ كَمَا قَالَ فِي نَسَقِ التلاوة بَعْدَ هَذَا:{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلا لِبُعُولَتِهِنَّ} وَالمراد مَوْضِعُ الزِّينَةِ، فَتَأويلُهَا عَلَى الثِّيَابِ لَا مَعْنَى لَهُ؛ إذ كان مَا يَرَى الثِّيَابَ
(١) قوله: (فلا جناح .. لِلْخِطْبَةِ) فلو بدون خطبة ولا سبب مبيح فهو جنحة.