لأنهما يظهران في العادة والعبادة والصلاة والحج، فهو مثل الإمام الطبري لما خاف أن يفهم الناس من أقوال السلف في تفسير الآية أنها رخصة للمرأة أن تُظهر ما تحتاجه عند الضرورة خافوا أن يتساهل الناس بإبداء أكثر من الوجه والكفين لأنهما غالب ما تحتاج المرأة لكشفهما كما مثل لذلك الفقهاء فقال الطبري:(وَأولَى الأقوال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ: قَوْل مَنْ قَالَ: عُنِيَ بِذَلِكَ الْوَجْه وَالكفان). ويقصد (وأولى الأقوال) أي أقوال السلف من الصحابة والتابعين التي نقلها في الآية، فالقرطبي لم يقصد أن الآية تشريع ووصف لمسألة الحجاب، بل هم مجمعون ويعلمون أن الآية رخصة عند الضرورة لأن تبدي المرأة ما تدعو الحاجة والضرورة إليه لهذا كرروا لفظة الحاجة والضرورة عند تفسيرهم للآية، ولكنهم أرادوا تحديد ما يظهر عند الضرورة غالبا ولهذا وجدناهم بنفس الاستدلال والاستنتاج فصار (أولى) واستشهدوا لمن طالبهم بالدليل على تحديد هذا القدر وكونه (أولى بالصواب) لأنه مما يظهر من المرأة في صلاتها كما قال الطبري والقرطبي ومن سبق معنا.
وهنا قال القرطبي:(واختلف الناس في قدر ذلك فقال ابن مسعود: ظاهر الزينة هو الثياب. وزاد ابن جبير الوجه ... ) لأن الزينة في الآية لم تحدد بشيء وحتى لا يتوسع الناس في الأخذ بالرخصة فيظهروا من الزينة في أحوالها الغالبة أكثر من الوجه والكفين فقدروه بما قدره الطبري سابقا بالوجه والكفين.