ولكن المتقدمين لم يفهموا منها السفور أبدا ولم يأتِ عنهم كلمة واحدة عند ذكرهم لها أنها تعني جواز خروج المرأة سافرة عن وجهها، وإنما فهموا منها التحديد بما يظهر من المرأة فقط في عورة الصلاة وعند الرخص، فحسب المتأخرون من دعاة السفور اليوم أنهم يتكلمون في آية تشريع الحجاب الواصفة لشكله وحدوده، وأنها دليل على قولهم في جواز كشف المرأة لوجهها، فحصل التحريف شيئا فشيئا فيمن بعدهم وزادت غربة الإسلام في مسألة الحجاب.
فمثل القرطبي والبغوي وغيرهم ممن سبق معنا ما قاله قبلهم:
١٦ - شيخ المفسرين الإمام ابن جرير الطبري (ت: ٣١٠ هـ) في تفسيره بعد أن نقل أقوال السلف في الآية قال: (وَأولَى الأقوال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ: قَوْل مَنْ قَالَ: عُنِيَ بِذَلِكَ الْوَجْه وَالكفان, يَدْخُل فِي ذَلِكَ إذا كان كَذَلِكَ الْكُحْل, وَالخاتم, وَالسِّوَار, وَالخضاب.
وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال في ذلك بالتأويل، لإجماع الجميع أن على كل مصلٍّ أن يستر عورته في صلاته، وأنَّ للمرأة أنْ تكشف وجهها وكفيها في صلاتها، وأن عليها أن تستر ما عدا ذلك من بدنها، إلا ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أباح لها أن تبديه من ذراعها إلى قدر النصف. فإذا كان ذلك من جميعهم إجماعا، كان معلوما بذلك أن لها أن تبدي من بدنها ما لم يكن عورة كما ذلك للرجل، لأن ما لم يكن عورة فغير حرام إظهاره. وإذا لها إظهار ذلك كان معلوما أنه مما استثناه الله تعالى ذكره، بقوله:{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} لأن كل ذلك ظاهر منها) انتهى من تفسير الطبري.