يجوزه كلهم كما قال! فإن من المتقدمين من منع الخاطب من النظر لمن أراد خطبتها ومنهم من منع الشابات من التكشف عند التبايع ونحو ذلك لأن الفتنة بهن أكثر ولأن أكثر تلك البيوع ونحوها ليست بالضرورية الملحة أو يمكن أن يستغنى فيها بغيرها، ثم أيد قول (الأكثر) وبين أمثلة على الأسباب المبيحة للجواز كمثل (الحاجة إلى كشف وجهها خصوصاً في الشهادة والمحاكمة والنكاح) ثم ذكر القدر الذي يجوز في غالب تلك الأحوال وهو الوجه والكفان كما ذكرها الطبري والقرطبي والبغوي وغيرهم كثير، ودلل على هذا القدر لمن طالبه بالدليل (لأنه ليس بعورة في الصلاة وسائر بدنها عورة فيها).
ثم ذكر الوجه الثاني وهو في ما لو خُشي منه أو عليه الفتنة (يحرم لأنه محل الفتنة ورجح حسماً للباب) لأن هناك من أجازه كما لو لم يكن هناك غيره لأداء الحقوق والمصالح أو إظهار الحق لصاحبه فلا بأس مع خشية الفتنة والشهوة للعذر الأشد إذا لو أمكن بغيره لم يجوزه بعضهم، وهذه مسألة أخرى أيضا في باب النظر عندهم.
فلا يجوز أن يفهم من مثل عباراتهم تلك كقولهم (ورجح حسماً للباب) و (لا سيما عند كثرة الفساد وظهوره) أختلافهم في أصل فريضة الحجاب أو جواز من يحلل ويحرم في دين الله من عند نفسه فهذا الدين صالح في كل زمان ومكان، وهو الذي ارتضاه الله لنا كما ارتضاه لمن قبلنا محمد - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام.