للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فِيهَا مَعَاشِي، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَحْمَةً لِي مِنْ كُلِّ سُوءٍ". أَوْ كما قال.

٥٢٠/٩٦٦ (صحيح) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: "كَانَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَعَوَّذُ مِنْ جَهْدِ الْبَلَاءِ (١) ، وَدَرَكِ الشَّقَاءِ (٢) ، وَسُوءِ الْقَضَاءِ، وَشَمَاتَةِ الْأَعْدَاءِ". قَالَ سُفْيَانُ: فِي الْحَدِيثِ ثَلَاثٌ، زدتُ أَنَا وَاحِدَةً، لَا أَدْرِي أيتهن (٣) .


(١) "جهد البلاء": كل ما أصاب المرء من شدة المشقة، وما لا طاقة له بحمله.
(٢) "درك الشقاء": شدة المشقة في أمور الدنيا وضيقها عليه.
(٣) هي شماتة الأعداء كما جاء مبيناً في "مستخرج الإسماعيلي" من طريق شجاع بن مخلد عن سفيان الذي دار الحديث عليه كما حققه الحافظ في "الفتح" (١١/١٤٨) ، وهو سفيان بن عيينة، وقد رواه في بعض المرات دونها كما في رواية ابن أبي عاصم في "السنة" (١/١٦٧/٣٨٢) قال: حدثنا الشافعي: حدثنا سفيان دونها، وكذلك أخرجه الإسماعيلي كما تقدم، والظاهر أنه كان يتذكر أحياناً الواحدة التي زادها من عنده، وهي هذه، وأيد ذلك الحافظ من جهة المعنى فراجعه إن شئت. والشافعي هنا هو (إبراهيم بن محمد بن العباس) ابن عم الإمام الشافعي، نبهني بذلك أحد إخواني جزاه الله خيراً، وهو صدوق كما في "التقريب".
ومما يحسن ذكره في هذا المقام أمران:
الأول: أن الاستعاذة من شماتة الأعداء قد ثبتت في حديث من رواية ابن عمرو مرفوعاً بلفظ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ غلبة الدين، وغلبة العدو، وشماتة الأعداء"، وهو مخرج في "الصحيحة" (١٥٤١) ، فلعل سفيان رحمه الله استجاز إضافة ما كان محفوظاً عنده في هذا الحديث أو غيره إلى حديث عن أبي هريرة، وهذا أهون من أن يظن به أنه زادها من كيسه، وبذلك يزول الإشكال الذي حكاه الحافظ أو يخف، والله أعلم.
والأمر الآخر: أن حديث الباب قد رواه جماعة من الحفاظ الثقات عن سفيان بسنده عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم من فعله كما ترى، منهم علي بن المديني عند المصنف هنا، وفي "صحيحه" أيضاً (كتاب الدعاء/ رقم ٦٣٤٧) ، وعن شيخه محمد بن سلام في مكان آخر من أصل هذا الصحيح رقم (٧٣٠) ، والشافعي كما ذكرت آنفاً، وجمع آخر عند مسلم وغيره.

وخالفهم مسدد، فقال: حدثنا سفيان فذكره بالألفاظ الأربعة، لكنه قال: "تعوذوا ... " بلفظ الأمر، أخرجه المؤلف في "الصحيحة" (كتاب القدر/ رقم ٦٦١٦) ، فهو شاذ لمخالفته الجماعة، وقد كنت فرقت بينه وبين اللفظ الذي قبله تحت حديث ابن عمرو المشار إليه آنفاً، ظاناً أنهما لفظان محفوظان في حديثين مختلفين من أحاديث أبي هريرة الكثيرة، فتبين لي الآن أن الأمر ليس كذلك وعجبت من الحافظ كيف فاته التنبيه على ذلك، فضلاً عن الشارح الجيلاني (٢/١٢٤) .
ومن الغرائب أيضاً أن محمد فؤاد عبد الباقي عزاه كما ترى أعلاه لبخاري في "القدر" وهو فيه بلفظ الأمر، وليس فيه قول سفيان في آخره! عزا حديث محمد بن سلام المشار إليه، - وليس فيه قول سفيان- لكتاب دعوات البخاري، فلو أنه عزى حديثنا هذا أيضاً إليه لكان أصوب.

<<  <   >  >>