فحملوا معنى هذا الحديث على معنى هذا الحديث على معنى حديث جابر، وهذا خلط عجيب كنت أود أن لا يقع فيه شيخ الإسلام ابن تيمية؛ فإنه رحمه الله مع تقريره أن القيام للقادم خلاف السنة وما كان عليه السلف، وقوه: " ينبغي لناس أن يعتادنا اتباع لاسلف" واحتج لذلك بحديث أنس المتقدم (٧٢٨/٩٤٦) ، ولم يفته رحمه الله أن ينبه أن الأصلح القيام للجائي إذا خشي من تركه وقوع مفسدة مثل التباغض والشحناء. وهذا من علمه وفقهه الدقيق جزاه الله خيراً، ولكنه مع ذلك أتبعه بقوله: " وليس هذا [هو] القيام المذكور في قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ سره أن يتمثل له الرجال قياماً فليتبوأ مقعده من النار"؛ فإن ذلك أن يقوموا له وهو قاعد، وليس هو أي: يقوموا لمجيئه إذا جاء ... "!
كذا قال رحمه الله، ولعل ذلك كان منه قبل تضلعه في علمه، فقد رأيت تلميذه ابن القيم قد أنكر حمل الحديث هذا المحمل، وهو قلما يخالفه، فأظنه مما حمله عنه بعد، فقال ابن القيم رحمه الله في "تهذيب السنن" (٨/٩٣) بعد أن ساق حديث جابر المشار إليه آنفاً: "وحمل أحاديث النهي عن القيام على مثل هذه الصورة ممتنع، فإن سياقها يدل على خلافه؛ ولأنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ ينهى عن القيام له إذا خرج عليهم، ولأن العرب لم يكونوا يعرفون هذا؛ إنما هو من فعل فارس والروم؛ ولأن هذا لا يقال له: قيام للرجل؛ وإنما هو قيام عليه، ففرق بين القيام للشخص المنهي عنه، والقيام عليه المشبه لفعل فارس والروم، والقيام إليه عند قدومه الذي هو سنة العرب، وأحاديث الجواز تدل عليه فقط". وهذا غاية التحقيق في هذه المسألة مع الإيجاز والاختصار، فجزاه الله خيراً، فعض عليه بالنواجذ؛ فإنه مما يجهله كثير من الدعاة اليوم، ويخالفه عملياً الأكثرون، فاعتادوا خلاف ما كان عليه السلف، حتى في مجالسهم الخاصة، والله المستعان.