للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} [الحشر: ١٨] ثمّ قال: " تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِه، مِنْ دِرهَمِه، مِنْ ثَوْبِه، مِنْ صَاعِ بُرِّهِ، منْ صَاعِ تَمْرِهِ" حتّى قال: "وَلَوْ بِشِقِّ تمْرَةٍ" (١) ولم يزد على ذلك.

قال الشّيخ: يحتمل وجهين:

أحدهما: أن يكون أراد الشرط، أي: إن تصدق رجل ولو بشيء حقير من ماله أثيب. وحذف حرف الشرط وجوابه للعلّم به، كما قال تعالى: {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى} [طه: ١١٨] تقديره: إن أقمت على الطّاعة.

والوجه الثّاني: أن يكون الكلام محمولًا على الدُّعاء، فكأنّه قال: رحم اللَّه امرءًا تصدق، كما قالوا: امرءًا اتقى اللَّه، أي: رحم اللَّه. وجعل الفاعل وهو قوله: "رجل" مفسرًا للمنصوب المحذوف.

ويحتمل وجهًا ثالثًا وهو: أن يكون على الخبر، أي: تصدق رجل من غيركم بكذا وكذا فأثيب، والغرض منه حثهم على الصَّدقة وأن غيرهم تصدق بمثل ذلك فأثيب، فحكمهم حكمه.

(٩٥ - ٢) وفي حديث جرير أنّه قال: "لما دخلت المدينة والنبي - صلّى الله عليه وسلم - يخطب، رماني النَّاس بالحَدَق، فقلت لجليسي: يا عبد الله! ذكرني رسول الله - صلّى الله عليه وسلم -؟ فقال: نعم، ذكرك رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - آنفًا" (٢).

"آنفًا" منصوب على الظرف (٣)، تقديره: ذكرك زمانًا آنفًا، أي قريبًا من


(١) صحيح: أخرجه مسلم (١٠١٧)، والنسائي (٢٥٥٤)، وأحمد (١٨٦٩٣).
(٢) إسناده صحيح: أخرجه أحمد (١٨٦٩٨)، (١٨٧٤٢)، عن المغيرة بن شبل قال: قال جرير: لما دنوت من المدينة أنخت راحلتي، ثمّ حللت عيبتي، ثمّ لبست حلتي، ثمّ دخلت، فإذا رسول اللَّه - صلّى الله عليه وسلم - يخطب، فرماني النَّاس بالحدق، فقلت لجليسي: يا عبد الله! ! ذكرني رسول الله - صلّى الله عليه وسلم -؟ ؟ قال: نعم، ذكرك آنفًا بأحسن ذكر، فبينما هو يخطب إذ عرض له في خطبته وقال: "يدخل عليكم من هذا الباب أو من هذا الفج من خير ذي يمن إِلَّا أن على وجهه مسحة ملك" قال جرير: فحمدت اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- على ما أبلاني.
(٣) المشهور في "آنفًا" النصب على الظرفية، ومنه قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا =

<<  <   >  >>