للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي حديث حَمْنَة بنت جحش المستحاضة (١):

(٣٨٥ - ١) " فَقَالَ لَهَا: سًامُرُكِ بِأمْرَيْنِ أَيَّهُمَا فَعَلْتِ" (٢):


(١) أخت أم المؤمنين زيت بنت جحش زوج النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -، وأمها أميمة بنت عبد المطلب عمة رسول الله - صلّى الله عليه وسلم -. كانت زوج مُصْعَب بن عمير، فقتل عنها يوم أحد، فتزوجها طلحة بن عبيد الله، فولدت له محمدًا وعمران. وكانت تستحاض هي وأختها أم حبيبة بنت جحش، وأنكر الواقدي أن تكون حمنة استحيضت أصلًا. قال أبو عمر: وكانت حمنة ممّن خاض في الإفك على عائشة، وجلدت في ذلك مع من جلد فيه عند من صحح جلدهم. وولدها محمّد بن طلحة هو المعروف بـ "السَّجَّاد".
ينظر ترجمتها في: "الاستيعاب" (٤/ ١٨١٣)، و"أسدّ الغابة" (٦/ ٦٩)، و"الإصابة" (٧/ ٥٨٦).
(٢) حسن: أخرجه أبو داود (٢٨٧)، والترمذي (١٢٨)، وأحمد (٢٦٩٢٨).
وحسنه الشّيخ الألباني في "الإرواء" (١/ ٢٠٢، ٢٢٤).
وأمّا قول أبي البقاء - رحمه الله - فقد نقله الشّيخ أحمد شاكر - رحمه اللَّه - ثمّ قال ناقلًا عن المباركفوري: وقال القاري في "المرقاة": قال في "المغرب": الاستنقاء مبالغة في تنقية البدن، قياس، ومنه قوله: "إذا رأيت أنك طهرت واستنقيت"، والهمزة فيه خطأ. انتهى.
قال: وهو في النسخ كلها، يعني نسخ المشكاة، بالهمز، مضبوط، فيكون جرأة عظيمة من صاحب "المغرب" بالنسبة إلى العدول الضابطين الحافظين، مع إمكان حملة على الشذوذ؛ إذ الياء من حروف الإبدال، وقد جاء: شئمة، مهموز، بدل من: شيمة، شاذًّا، على ما في الشافية".
أقول (شاكر): والذي قاله العلّامة مُلًا على القاري في شرح "المشكاة" جيد وصواب، إِلَّا في حمل هذا الحرف على الشذوذ؛ فإنّه ليس شاذًّا، بل هو استعمال جائز ومسموع إذ إن همز ما ليس بمهموز كثير في كلام العرب؛ قال يونس: "أهل مكّة يخالفون غيرهم من العرب، فيهمزون النبيء والبريئة، والذرية، والخابئة" نقله السيوطيّ في "المزهر" (ج ٢ ص ١٣٣). وقال الجوهري في "الصحاح" مادة (رث): "ابن السكيت: قالت امرأة من العرب: رثأت زوجي بأبيات، وهمزت، قال الفراء: ربما خرجت بهم فصاحتهم إلى أن يهمزوا ما ليس بمهموز، قالوا: رثأت الميِّت، ولبَّأت بالحج، وحلأت السويق تحلئة، وإنّما هو من الحلاوة".
وهذا الحرف "استنقأت" لم أره في شيء من روايات هذا الحديث مرويًّا بالياء، إِلَّا في رواية الدارقطني. وأمّا أبو داود والترمذي والحاكم فإنّه مروي عندهم بالهمزة، وكذلك هو بالهمزة في نسخة مخطوطة صحيحة عتيقة من "التحقيق" لابن الجوزي، رواه فيه بإسناده من طريق "مسند أحمد بن حنبل"، وكذلك في نسخة مخطوطة صحيحة قديمة من "المنتقى" للمجد بن تيمية" انتهى كلام الشّيخ شاكر.
قلت: وقد أخطأ - رحمه الله - فهم كلام القاري - رحمه الله -؛ إذ إن الشذوذ بمعناه عند اللغوبين ليس شبيهًا بمعناه عند المحدثين؛ فالثّاني مردود، والأول معناه صحة الحرف على غير مثال، إِلَّا أنّه لا يقاس عليه بل يوقف به عند السماع.
وأمّا قوله: "إذ إن همز ما ليس بمهموز كثير في كلام العرب"، ففيه نظر؛ وذلك أن هذا الصنيع خاص بأهل مكّة كما حكي عن يونس، ثمّ هو في أحرف معدودة؛ قال سيبويه - رحمه الله -: "ليس أحد من =

<<  <   >  >>