للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"الجفاء" في الأصل مصدر، وهو ههنا مبتدأ، و"كلّ الجفاء" توكيد، و"الكفر، والنفاق" معطوفان على "الجفاء"، و"من سمع" خبر المبتدأ، ولابد فيه من حذف مضاف تقديره: "إعراض من سمع" لأنّ "مَنْ" جثة (١) بمعنى شخص أو إنسان، والجفاء ليس بالإنسان، والخبر يجب أن يكون هو المبتدأ في المعنى (٢)، والإعراض هنا جفاء.

وفي حديث معاذ بن جبل في علامات السّاعة:

(٣٤٩ - ١) " وَأَنْ يُعْطَى الرَّجُلُ أَلفَ دِينَارٍ فَيَتَسَخَّطَهَا" (٣):


= مرفوعًا، ولفظه: "الجفاء كلّ الجفاء، والكفر والنفاق من سمع منادي الله ينادي بالصلاة يدعو إلى الفلاح ولا يجيبه".
وهذا إسناد كله ضعفاء، ومن ثمّ ضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (٢٦٥٠).
(١) في خ: جنسية.
(٢) يعني أنّه لا يخبر عن الجثة بالمعاني، كما لا يخبر بالزمان عن أسماء الذوات؛ فلا يقال مثلًا: زيد ليوم. فإن حصلت فائدة جاز؛ كأن يكون المبتدأ عامًّا والزمان خاصًّا، نحو: نحن في شهر كذا، وأمّا نحو: الوَرْد في أيَّار، واليوم خمر، واللّيلة الهلال، فالأصل: خروج الورد، وشرب الخّمْرِ، ورؤية الهلال.
قال العلّامة ابن يعيش في مبحث وقوع الخبر ظرفًا: "والمبتدأ أيضًا على ضربين: جثة وحدث، فالجثة ما كان شخصًا مرئيًّا، والحدث ما كان معنى، نحو المصادر مثل العلم والقدرة، فإذا كان المبتدأ جثة نحو: زيد وعمرو وأردت الإخبار عنه بالظرف، لم يكن ذلك الظرف إِلَّا من ظروف المكان، نحو قولك: زيد عندك، وعمرو خلفك، ، وإذا كان المبتدأ حدثًا نحو القتال والخروج، جاز أن يخبر عنه بالمكان والزمان.
والعلّة في ذلك: أن الجثة قد تكون في مكان دون مكان، فإذا أخبرت باستقرارها في بعض الأمكنة، يثبت اختصاصها بذلك المكان مع جواز أن تكون في غيره، وكذلك الحدث يقع في مكان دون مكان، مثال ذلك قولك: زيد خلفك، فـ "خلفك" خبر عن زيد، وهو مكان معلوم بجواز أن يخلو منه زيد بأن يكون أمامك أو يمينك أو في جهة أخرى غيرهما ... ، وأمّا الجثث فأشخاص ثابتة موجودة في الأحياء كلها، لا اختصاص لها بزمان دون زمان؛ إذ كانت موجودة في جميع الأزمنة، فإذا أخبرت وقلت: زيد اليوم، أو: عمرو السّاعة، لم تفد المخاطب شيئًا ليس عنده؛ لأنّ التقدير: زيد حالٌّ - أو مستقر - في اليوم، وذلك معلوم ...
فإن قيل: فأنت تقول: اللَّيلة الهلال، والهلال جثة، فكيف جاز ههنا ولم يجز فيما تقدّم؟
فالجواب: أنّه إنّما جاز في مثل "اللَّيلة الهلال" على تقدير حذف المضاف، والتقدير: اللَّيلة حدوث الهلال، أو: طلوع الهلال، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه لدلالة قرينة الحال عليه؛ لأنك إنّما تقول ذلك عند توقع طلوعه ... ".
ينظر: "شرح المفصل" (١/ ٨٩)، و "أوضح المسالك" (١/ ٢٠٢)، و"شواهد التوضيح" (ص ٩٤).
(٣) إسناده ضعيف: أخرجه أحمد (٢١٤٨٧)، وفيه النهاس بن قهم، وهو ضعيف.

<<  <   >  >>