للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إذ الجمع ضم شيء إلى آخر (١)، ومنه قوله تعالى: {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (٢١) إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ}، ثمّ قال: {خَصْمَانِ} [ص: ٢١، ٢٢]، وعلى هذا المعنى حمل قوله تعالى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ} [النِّساء: ١١]، يريد اثنين - قول الجمهور:

والجواب الثّاني: أن الاثنين هنا أميران، والأمير إذا قال شيئًا توبع، فيئول الأمر إلى الجمع.

الثّالث: أنّه أراد أمرهما وأمر من يوليانه، فلما كان لابد من استعانتهما بغيرهما، نزل ذلك الغير موجودًا معهما وخاطب الجميع.

(٢٣٥ - ٥) وفي حديثه: "أيُّ الإسْلام أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: "مَنْ سَلمَ المُسْلمُونَ من يَدِهِ وَلِسَانِهِ" (٢):

قال- رحمه الله! -: لابد في الحديث من تقدير، ولك فيه تقديران (٣):


(١) في ط: شيء. وهنا يردّ خلاف الاصولبين المشهور في أقل الجمع؛ فقد تنازعوا هل أقل الجمع اثنان أو ثلاثة؟ ولكن ليس محل الخلاف ما هو المفهوم من لفظ الجمع لغة؛ وهو ضم شيء إلى شيء - كما قال العكبري-؛ فإن ذلك في الاثنين والثلاثة وما زاد من غير خلاف، وإنّما محل الخلاف في اللّفظ المسمى بـ "الجمع" في اللُّغة، فنقول: مذهب عمر وزيد بن ثابت ومالك، وداود والقاضي أبي بكر والاستاذ أبي إسحاق الإسفرابيني، وجماعة من أصحاب الشّافعيّ - رضي الله عنه - كالغزالي وغيره، أنّه اثنان. ومذهب ابن عبّاس والشّافعيّ وأبي حنيفة ومشايخ المعتزلة وجماعة من أصحاب الشّافعيّ أنّه ثلاثة، وهو الّذي اختاره ابن حزم. وذهب إمام الحرمين إلى أنّه لا يمتنع رد لفظ الجمع إلى الواحد.
ينظر في هذا البحث كتب الأصول، منها: "الإحكام في أصول الأحكام" لسيف الدين الآمدي (٢/ ٤٣٥)، دار الكتب العلمية ط. أولى (١٤٠٥ هـ)، و"الإحكام" لابن حزم (٤/ ٤٣١)، دار الكتب العلمية ط. أولى (١٤٠٥ هـ).
(٢) صحيح: أخرجه البخاريّ (١١)، ومسلم (٤٢)، والترمذي (٢٥٠٤)، والنسائي (٤٩٩٩).
(٣) وإنّما ورد الإشكال من حيث إن الجواب غير موافق للسؤال؛ فإن السؤال وقع عن خصال الإسلام أيها أفضل، فكان الجواب سيكون: الصّلاة، أو بر الوالدين .. إلخ مثلًا، فلما عدل إلى جواب آخر، احتاج ذلك إلى تقدير. إِلَّا أن رواية مسلم والترمذي "أي المسلمين أفضل؟ " تعفينا من تكلف الرَّدِّ، وهو ما ورد في التقدير الثّاني عند أبي البقاء. ولذا قال الحافظ - رحمه الله! -: "وهذا التقدير أولى من تقدير بعض الشراح هنا: أي خصال الإسلام. وإنّما قلت إنّه أولى؛ لأنّه يلزم عليه سؤال آخر بأن يقال: سئل عن الخصال فأجاب بصاحب الخصلة، فما الحكمة في ذلك؟ وقد يجاب بأنّه يتأتى نحو قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا =

<<  <   >  >>