للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقَيدُ الثَّالِثُ: قَوْلُنَا: "عَلَى سَبِيلِ الاسْتِعْلاءِ" فَالْفَائِدَةُ فِيهِ: أَنَّهُ لَوْ طُلِبَ ذَلِكَ الْفِعْلُ عَلَى سَبِيلِ التَّضَرُّعِ -سُمِّيَ ذلِكَ الطَّلَبُ دُعَاءً وَالْتِمَاسًا، وَإِنَّمَا يُسَمَّى أَمْرًا: إِذَا حَصَلَ ذلِكَ

===

أَمَرْتُكَ أَمْرًا حَازِمًا فَعَصَيتَنِي ... وَكَانَ منَ التَّوْفِيقِ قَتْلُ ابْنِ هَاشِمِ

وقد اعتذروا: بأَنَّ هذا الإِطلاق مجازٌ، وحسَّنه تنزيلُه نفسَهُ منزلةَ الملتزم إشارته.

فلمَّا استشعر المصنِّفُ هذه الاعْتراضَاتِ على الحدين أراد حده بما يسلم من ذلك كُلِّه، فقال هو: "اللَّفْظُ الدَّالُّ على طَلَبِ الفِعْل عَلَى سَبِيل الاسْتِعْلاء".

فاستعمل "اللفظ" بدل "القول"؛ ليحترز عن الاشتراك، وقولُه: "الدال" احترازٌ من المُهْمَلِ، وقوله: "على طلب"، احْتِرَازٌ مِنَ الخَبَرِ، وقولُه: "الفعل" احترازٌ من النهي والاسْتفهام، ، وقولُه: "على سَبِيل الاسْتِعْلاء" ليدخل فيه مثل قول عمرو:

أَمَرْتُكَ أَمْرًا حَازِمًا ... ..................... البيت

ويخرج منه الالتماسُ، والدعاء.

قوله: "والقيدُ الثَّاني: طلب الفِعْل، فنقول: مَاهِيَّةُ الطلب متصورة لِكُلِّ العقلاء تصورًا بَدَهِيًّا ... " إلى آخره.

لم يختلف العقلاءُ في أنَّ الآمر حالة أمره، يجدُ في نفسه مِعنى ما يُعَبِّرُ عنه بالصِّيغَةِ.

لكن اخْتَلَفُوا في تَعْيِين ذلك المعْنَى، فزعمت الأَشْعَرِيَّةُ: أَنَّهُ اقتضاءٌ واستدعاء مغاير لماهية الإرادة.

وأنكرتِ المعتزلةُ ذلك، وقالوا: ليس في النفس إلَّا الإِرادة، فتنحل من هذا: أَنَّ وجْدَانَ أصل المعنى ضَرُورِيٌّ، وتصوره نظري، ولا يلزم مِنْ عِلْمنا بوجُودِ الشَّيءِ بالضرورة -أن نتَصوره ضرورة؛ فإنا نعلم وجود أَرْوَاحِنا بالضرورة، ولا نتصورها بالضرورة.

<<  <  ج: ص:  >  >>