وقد اعتذروا: بأَنَّ هذا الإِطلاق مجازٌ، وحسَّنه تنزيلُه نفسَهُ منزلةَ الملتزم إشارته.
فلمَّا استشعر المصنِّفُ هذه الاعْتراضَاتِ على الحدين أراد حده بما يسلم من ذلك كُلِّه، فقال هو:"اللَّفْظُ الدَّالُّ على طَلَبِ الفِعْل عَلَى سَبِيل الاسْتِعْلاء".
فاستعمل "اللفظ" بدل "القول"؛ ليحترز عن الاشتراك، وقولُه:"الدال" احترازٌ من المُهْمَلِ، وقوله:"على طلب"، احْتِرَازٌ مِنَ الخَبَرِ، وقولُه:"الفعل" احترازٌ من النهي والاسْتفهام، ، وقولُه:"على سَبِيل الاسْتِعْلاء" ليدخل فيه مثل قول عمرو:
أَمَرْتُكَ أَمْرًا حَازِمًا ... ..................... البيت
ويخرج منه الالتماسُ، والدعاء.
قوله:"والقيدُ الثَّاني: طلب الفِعْل، فنقول: مَاهِيَّةُ الطلب متصورة لِكُلِّ العقلاء تصورًا بَدَهِيًّا ... " إلى آخره.
لم يختلف العقلاءُ في أنَّ الآمر حالة أمره، يجدُ في نفسه مِعنى ما يُعَبِّرُ عنه بالصِّيغَةِ.
لكن اخْتَلَفُوا في تَعْيِين ذلك المعْنَى، فزعمت الأَشْعَرِيَّةُ: أَنَّهُ اقتضاءٌ واستدعاء مغاير لماهية الإرادة.
وأنكرتِ المعتزلةُ ذلك، وقالوا: ليس في النفس إلَّا الإِرادة، فتنحل من هذا: أَنَّ وجْدَانَ أصل المعنى ضَرُورِيٌّ، وتصوره نظري، ولا يلزم مِنْ عِلْمنا بوجُودِ الشَّيءِ بالضرورة -أن نتَصوره ضرورة؛ فإنا نعلم وجود أَرْوَاحِنا بالضرورة، ولا نتصورها بالضرورة.