للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالأَصْلُ عَدَمُ الاشْتِرَاكِ وَالْمَجَازِ؛ فَوَجَبَ جَعْلُهَا حَقِيقَةً فِي الطَّلَبِ الَّذِي هُوَ: الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَينَ الْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ، وَبَينَ التَّكْرَارِ، وَالدَّالُّ عَلَى مَا بِهِ الا شْتِرَاكُ غَيرُ دَالٍّ عَلَى مَا بِه الامْتِيَازُ: لَا بِالْوَضْعِ، وَلَا بِالالْتِزَامِ؛ فَوَجَبَ أَلَّا يَكُون فِي هذَا اللَّفْظِ دَلالةٌ عَلَى التَّكْرَارِ.

الثَّانِي: أَنَّ هذِهِ الصِّيغَةَ، لَوْ دَلَّتْ عَلَى التَّكْرَارِ -لَدَلَّتْ: إِمَّا عَلَى التَّكْرَارِ الدَّائِمِ؛ وَهُوَ بَاطِلٌ بِالإِجْمَاعِ، أَوْ عَلَى التَّكْرَارِ بِحَسَبِ وَقْتٍ مُعَيَّنٍ؛ وَهَذَا -أَيضًا- بَاطِلٌ؛ لأَنَّ اللَّفْظَ لَا دَلالةَ فِيهِ عَلَى تَعَيُّنِ ذَلِكَ الْوَقْتِ؛ [فَوَجَبَ] أَلَّا يَدُلَّ عَلَى التَّكرَارِ.

===

الَّذي ذهب إليه المحصِّلُون مِنَ الفقهاء، وعلماءِ الأُصُولِ أَنَّ صيغةَ الأمْرِ إِذا وردت عَرْيَّةً عن قَيد التكرار، والوحدة، والمرار- لا تُشْعِرُ بشيء من ذلك، وإِنَّما عدّ الآتي بالمرة مُمْتَثِلًا؛ ضرورة أَنَّ حصول المستدعى لا يتصور بدونها؛ لأَنَّ اللفظ مُشْعِرٌ بها، وسر ذلك أَنَّ مدلولاتِ الأفعال أجناسٌ، والأجْناسُ لا تشعِرُ بالوَحْدَةِ الشخصية، ولا بقِلَّةٍ ولا بكَثْرةٍ؛ ومِنْ ثَمَّ لم تُثَنَّ ولم تُجْمَعْ، وحسن استعمالها فِي القليل والكثير بلفظ واحد؛

فقيل لمَنْ أوقع القِيَام مَرَّةً، أو مِرَارًا: قائم؛ لاشتراكها فِي الحقيقة الشاملة، وكُلُّ ما ثبت مع المتقابلين، فليس له من ذاته أحدهما.

وصار بعضُهم: إِلى أنها ظاهرة فِي المرار، وستأتي حُجَجُهُمْ.

وصارت الواقفية: إِلى الوقْفِ على المَذْهَبَينِ فيه، على ما مرَّ مِن وقف الاشتراك والخيرة.

احتجَّ القائلون بوقف الاشْتِرَاكِ: بأنه أُطْلِقَ تارةً وتارة، والأَصْلُ فِي الإِطلاق الحقيقةُ، وبحسن الاسْتفهام.

ودفع الأول: بأنَّ الاشْتراك على خِلَاف الأصْل.

والثاني: بأنَّه قد يحسُن الاستفهام لرفع المجاز أيضًا، ولأسباب وأَغْرَاض أُخْرَى.

واحتجَّ الفريقانِ مِنَ الواقفية بأَنَّ: دَعْوى أَن الصيغةَ للتَّكْرارِ، أو للمرَّةِ، إِمَّا أَنْ يعلمَ بالعقل، أو بالنَّقْلِ ... " إلى آخره على ما مَرّ، وجوابهُ على ما سبق.

وقطع القاضي بإِشْعارِها بالمرَّةِ، وتوقف فِيمَا زَادَ.

ونُوقِشَ: بأَنَّهُ مِنَ الواقفيَّةِ فِي أَصْلِ الصِّيغَةِ: وهَلْ تدلُّ على الوجوب، أو لا؟ فكيف يحسنُ منه الكلامُ فِي كيفية دِلَالتها عليه؟ .

واعتذر عنه: بأَنَّه تفريغٌ على مَذْهب غيره، أو بتقدير قرينة تدلُّ على أصل الأمر فَقَط.

قوله: "لنا وجوه: الأول: أن هذه الصيغة وردت للتكرار تارة" يعني: كقوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: ٤٣].

<<  <  ج: ص:  >  >>