للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حُجَّةُ الْمُخَالِفِ أُمُورٌ:

الأَوَّلُ: النَّهْيُ يُفِيدُ التَّكْرَارَ؛ فَكَذَا الأَمْرُ؛ لأنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الضِّدَّينِ يَجِبُ أنْ يَكُونَ حُكمُهُ مِثْلَ حُكْم الآخَرِ.

الثَّانِي: يَصِحُّ أَنْ يُقَال: "صَلِّ إلا فِي الْوَقْتِ الْفُلَانِيِّ"، وَالاسْتِثْنَاءُ يُخْرِجُ مِنَ الْكَلَامِ مَا لَوْلَاهُ لَدَخَلَ فِيهِ؛ وَذلِكَ لَا يَتِمُّ إلا إِذَا كَانَتْ هذِهِ الصِّيغَةُ مُتَنَاولَةً لِكُلِّ الأَوْقَاتِ.

===

كحمْلِهم "لَا" الداخلة على النكرة فِي عملها علي "إِنْ"، و "كم" الخبرية على "رُبَّ".

ومنهم مَنْ قرر الجمعَ بأَنَّ الأمرَ بالشيءِ نَهْيٌ عن ضِدِّه، والنهي للتكرار، والنهي يعم؛ فكذلك الأَمْرُ.

ورُدَّ: بأَنَّا لا نُسَلِّمُ أَنَّ الأمر بالشيء نهيٌ عن ضِدِّه، ثم لو سلَّم، فَلَا نُسَلِّم أَنَّ مطلق النهي للتكرار، ثم لو سلم إشعاره بالتكرار، فإِنما يسلم فِي النهي الابْتدائي، أما المتضمِّنُ التابع لِلأَمْر، فهو بحسب مَتْبُوعه، إن عَمَّ عَمَّ، وإنْ خَصَّ خَصَّ؛ كما نقول فِي النهي المقيد بالمرة.

والحَاصِلُ: أنَّه استدلالٌ بفرع مَحَلِّ النزاع.

ومنهم مَنْ قَدَّر الجمع بأنَّه لَا مَعْنى للنهي إلَّا الأمر بالترك، وقد عَمَّ النَّهْيُ؛ فيعم.

قوله: "وعن الثاني: أنَّ الاستثناء يخرح مِنَ الكلام ما لولاه لصلح"- هذا منه مقابلة دَعْوَى بدعوى، ولم يحقق ها هنا أَن الاسْتثناء حقيقة فِي إِخراج الداخل، أو الصالح للدخول، ولا شكَّ فِي استعماله بالاعتبارين معًا.

أمَّا فِي استعماله فِي إخراج الداخل، فكقولك: له عليَّ عشرة إلَّا دِرْهمًا، وأما الصَّالِحُ، فكَاسْتِثناء ما زاد على العشرة مِنَ العشرة عَلَى وَجْهِ البدل من جموع القِلَّة.

وإذا استعمل فيهما فيحتمل أنْ يكون بالاشْتِرَاك إلا أنَّه على خِلَاف الأصل، ويحتملُ أنْ يكون بالحقيقة والمجاز، فإِمَّا يكون حقيقةً فِي إخراج الداخل، مجازًا فِي إخراج الصالح، أو بالعكس.

ولا جائز أنْ يكونَ حقيقةً فِي إخراج الصالح؛ لئلَّا يلزمَ مِنِ اسْتعماله مجازًا فِي إِخراج الداخل عدمُ المصحح بخلاف عكسه، كما قرر.

والأَقْربُ مِن ذلك كُلِّه أَنْ يكون مقولًا عليهما باعتبار قَدْر مشترك، فيكون مُتَواطِئًا، ويكون حقيقة الاسْتثناء: إخراج الثاني مِنْ حكم الأول بـ "إلا وأخواتها" مع قَطْعِ النظر عن الخصوصيتين؛ وحينئذ تسقطُ الحُجَّةُ، والجوابُ عنها.

قوله: "ولَئنْ سَلَّمنا ذلك، لكنْ لِمَ لا يجوزُ أَنْ يكون هذا الاستثناء قرينةً دالَّة عَلَى الأَمْرِ؟ " والجوابُ عنه بالفرق، وسيأتي إِنْ شاء الله تعالى.

قوله: "الثاني: أنَّه يصح أن يقال: "صلوا إلَّا فِي الوقت الفلاني"، والاسْتثناء يُخْرِجُ من الكلام ما لولاه لدخل فيه، وذلك لا يتم إلَّا إذا كانت هذه الصيغة مُتَناولةً لكُلِّ الأوقات" وقوله:

<<  <  ج: ص:  >  >>