للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْمُخْتَارُ: أَنهُ لَا يَدُلُّ بِحَسَبِ أَصْلِ اللُّغَةِ؛ لَكِنَّهُ -عِندِي- يَدُلُّ بِحَسَبِ الْعُرفِ:

أَمَّا الأَوَّلُ- فَيَدُلُّ عَلَيهِ وُجُوهٌ:

الأوَّلُ: أنَّ الصِّيغَةَ مَا دَلَّت إِلَّا عَلَى ثُبُوتِ الحُكْمِ في تِلكَ الصُّورَةِ الْمُقَيَّدَةِ بِتِلْكَ الصِّفَةِ، وَالثُّبُوتُ في تِلكَ الصُّورَةِ مُغَايِرٌ لانْتِفَاءِ الحُكمِ في الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ، وَغَيرُ مُستَلْزِم لَهُ؛ لأَنَّهُ [يَثْبُتُ] في بَدِيهَةِ الْعَقْلِ: أنَّ ثُبُوتَ الْحُكْمِ في الصَّورَةِ الأُولَى قَد لَا يَحصُلُ مَعَ ثُبُوتِهِ في الصورَةِ الثَّانِيَةِ، وَلَوْلا ذلِكَ، لَمَا كَانَتِ الْقَضِيَّةُ الكُلِّيَّةُ [مُمكِنَةً] عَلَى الانْتِفَاءِ في الصُّورَةِ الثانِيَةِ: لَا بِحَسَبِ الْوَضعِ اللُّغَويِّ، وَلَا بِحَسَبِ الاستِلْزَامِ الْعَقْلِيِّ؛ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ.

===

واختار المصنف أنه لا يَدُلُّ عليه بحسب اللغة، ويدل عليه بحسب العُرفِ.

قوله: أَمَّا الأَوَّلُ، يعني: عَدَمَ الدلالة لُغَة: فيدل عليه وجوه:

الأول: أن الصيغةَ ما دَلَّتْ إلَّا على ثُبُوتِ الحكم في تلك الصورة المُقَيَّدَةِ بتلك الصفة، والثبوتُ في تلك الصورة [مُغَايرٌ] للانتفاءِ في الصورة الثانية، وغيرُ مُستلْزِم له، وقرر بصدق القضية الكُلِّيةِ الممكنة.

وحاصله: نفيُ الدَّلالاتِ الثلاثِ؛ فإنه إذا لم يُشعِر به من حيثُ الوضع له ولا جزء له - انتفتِ المُطَابَقَةُ، والتَّضَمُّنُ، وإذا انتفتِ الملازمة انتفتْ دلالةُ الالتزامِ أيضًا؛ فإن شرطها اللزومُ، ومعنى قوله: "ولولا ذاك لما كانتِ القضيةُ الكلية ممكنةٌ"، يعني: كقولنا: كُل إنسان كاتب بالإمكان، فإن اللازِمَ فيها صِدقُ الجُزئيَّةِ، والحكمُ للباقي جائزٌ ثبوتُهُ وانتفاؤُهُ، وهي صادقة على التقديرينِ معًا.

ولو استلزم الحكمُ على الجزءِ نفى الحكم عن الجزءِ الآخرِ- لكان إثباتُهُ للجزء الثاني مُنَاقِضًا.

والاعتراضُ عليه: أَنا لا نُسَلِّمُ انتفاءَ الإِشعارِ من جهة الإفرادِ، ولا نسلم انتفاءَهُ من جهة التركيب التقييدِيِّ، وظاهِرٌ أنهُ يُشعِرُ به فإن وَضعَ الصفة للتخصيص، والتخصيصُ يستلزم التمييزَ عنِ المُخَالِفِ، والتمييزُ يستدعي إثباتًا ونفيًا، وعرف الاستعمال مُقَدَّرٌ لذلك، فإن مَنْ قال لغيره:

<<  <  ج: ص:  >  >>