للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَمَّا إِثْبَاتُ مَا لَا يَتَعَرَّضُ اللَّفْظُ لَهُ؛ لَا بِنَفْيٍ وَلَا بِإِثْبَاتٍ -فَلَمْ يَكُنْ إِثْبَاتُهُ مُخَالِفًا لِلظَّاهِرِ، وَلَيسَ كَذلِكَ إِذَا خَصَّصْنَا إِيجَابَ الْفِعْلِ بِحَالِ حُصُولِ الشَّرْطِ؛ لأَنَّ اللَّفْظَ لَمَّا اقْتَضَى إيجَابَهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ-: كَانَ تَخْصِيصُ الإِيجَابِ بِزَمَانٍ مُعَيَّنٍ -دُونَ مَا سِوَاهُ- مُخَالفَةً لِلظَّاهِرِ.

حُجَّةُ الْمُخَالِفِ: أَنَّ صُدُورَ الإِيمَانِ مِنْ أَبِي جَهْلٍ مَشْرُوطٌ بِكَوْنِ اللهِ تَعَالى عَالِمًا بِصُدُورِ الإِيمَانِ مِنْهُ، وَبِعَدَمِ عِلْمِهِ بِصُدُورِ الكُفْرِ مِنْهُ، فَإِمَّا أَنْ يُقَال: الأَمْرُ بِالإِيمَانِ أَمْرٌ بِتَحْصِيلِ هَذَا الشَّرْطِ، أَوْ لَا [يَكُونُ]؛ وَالأَوَّلُ بَاطِلٌ؛ وَإِلَّا - لَزِمَ [أَنْ يَكُونَ الكَافِرُ مَأْمُورًا

===

قولهُ: "بشرط أن يكون ذلك الأمر مطلقًا"؛ يعني: أنه واجب على كل حال، كالأمر بعتق رقبة؛ فإنَّ الوجوبَ يتعلق بها، سواءٌ كانت حاصلةً في ملكه، أو لم تكن، إذا كان قادرًا على تحصيلها.

قوله: "ويُشْتَرَطُ أَنْ يكونَ ذلك الشَّرْطُ مقدورًا للمكلف" احتراز عن سلامة البنية وخلق القدرة على الفعل.

وقد احتج القاضي على الوجوب: بأنه لو لم يكن واجبًا، لكان إما محظورًا أو مندوبًا، أو مكروهًا، أو مباحًا؛ لانحصارِ الأحكام في الخمسة، ولا جائز أن يكون محظورًا؛ لأن الأمر بالمتوسل إليه، مع منع الوسيلة، تكليفٌ بالمُحَالِ، ولا جائز أن يكون مباحًا أو مندوبًا، أو مكروهًا؛ لأنَّ جميعَ ذلك يَسُوغُ تركُهُ، وفي تجويزِ تَرْكِهِ تجويزُ تركِ الواجب.

والاعتراضُ عليه: أن شرط التكليف إمكانُ الفعل، وإمكانُ الفعل يَتَحَقَّقُ بعدم المنْع من الوسيلة، ولا يتوقف على إيجابها، ولو صرَّح بذلك وقال: أوجبت عليك غسلَ الوجه، ولا أوجب عليك أَخْذَ جزءٍ من الرأس، ولا أمنعك منه، فإنْ فعلتَ أَثَبْتُكَ على غسل الوجهِ فقط، وإن تركتَ عاقبتُك على تركه فقط- لم يكنْ متناقضًا.

قوله: "والدليل عليه أن الأمر يقتضي إيجاب الفعل على كل حال"؛ لأنَّ الكلام فيه، وإيجاب الفعل على كل حال لو لم يقتض إيجاب شرطه لكان قد كلف بالفعل حال عدم شرطه مع عدم منعه منه؛ وأنه تكليف بالمحال.

والاعتراضُ عليه: أن التكليفَ بالفعل، حال عدمِ شرطه مع عدم منعه منه- لا نُسَلِّمُ أنه تكليف بالمحال.

قوله: "فإن قالوا: لم لا يجوز أَنْ يقال: إِنَّه أمر بالفعل بشرط حصول ذلك الشرط"؟ هذا الاعتراضُ إحالة لصورة المسألة؛ فإنَّ الكلامَ فيما إذا تحقق الوجوب، وكان لا يحصل ذلك الفعل إِلَّا بفعل آخر، كالأمر بالمعرفة التي لا يتأتى حصولها عادةً إلّا بتقديم النظر.

فقوله: "إنه لا تجب المعرفة إلّا بعد حصول النظر" - إحالة لصورة المسألة؛ فإنَّ الشروط تنقسم إلى قسمين:

<<  <  ج: ص:  >  >>