للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا الثَّانِي -وَهُوَ أَنَّهُ عِنْدَ مَجِيءِ الزَّمَنِ الثَّانِي يَصِيرُ مُكَلَّفًا بِذلِكَ الْفِعَلِ-: فَنَقُولُ: إِنَّ عِنْدَ مَجِيءِ ذلِكَ الزَّمَانِ- يَعُودُ التَّقْسِيمُ فِيهِ، وَهُوَ: أَنَّ عِنْدَ ذلِكَ الزَّمَنِ، الْمُكَلَّفُ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُتَسَاويَ الدَّوَاعِي، أَوْ مَا كَانَ كَذلِكَ:

===

مَحَلَّينِ، في زمانٍ واحد، قَضَى بذلك، وما لا حُصُولَ له في الذِّهْنِ يكونُ غَيرَ مشعورٍ به، ومغفولًا عنه؛ فلا يُتَصَوَّرُ القضاءُ عليه بإمكانٍ ولا وجوبٍ ولا استحالة.

وتشكيك صاحب الكتاب على هذا: بأن الثَّابِتَ في الذهن، إن لم يكنْ له ثُبُوتٌ مِنْ خارجٍ، فهو جَهْلٌ ومغالطة أيضًا- إنما يكونُ جهلًا مع اعتقادِ أنه ثابِتٌ من خارجٍ؛ فإنَّ التصور الساذَجَ -أعني: الحصول في الذهن- أَعَمُّ.

والحَقُّ أيضًا: جوازُ التكليف بِمَا لا يُطَاقُ؛ فإِنَّ الطَّلَبَ راجِعٌ إلى القول والذِّكْرِ النفسيِّ، وهما الصفاتُ التي تتَعَلَّقُ ولا تُؤَثِّرُ، فلا يَمْتَنِعُ تَعَلُّقُهَا بالممتنعِ، كما يتعلق بالمعدوم، والمُطْلَقِ.

واشتراطُه إِمكانَ الفعل إنما يلزمُ لِصِحَّةِ القصد إلى امتثال المأمور به؛ لحصول حِكْمَةِ الفعل، ولا يَنْحصِرُ مقصودُ التكليف في ذلك؛ بل قد يكونُ لِمَحْضِ الابتلاء؛ كأمرِ إِبراهيمَ عليه السلام بذبحِ وَلَدِهِ، ونَسْخِهِ قبلَ الامتثالِ، ولم يكنْ الأمرُ لحكمةٍ تَنْشَأُ من نفس وقوع الفعل.

وإذا تَقَرَّرَ ذلك: تَبَيَّنَ أَنَّ التكليفَ يكونُ عِلْمًا لِلشَّقَاوَةِ، أو للسَّعَادَةِ؛ قال اللهُ تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} [الإسراء: ١٦] , وإذا كان ذلك فلا يَمْتَنِعُ أَنْ يُؤْمَرَ العَبْدُ بما لا قُدْرَةَ له عليه؛ علمًا لشقاوته.

وأمَّا الوقوعُ: فالأقربَ عَدَمُهُ، وقد دَلَّتْ آيَةٌ ظاهِرَةٌ على نفيه؛ كقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلا مَا آتَاهَا} [الطلاق ٧] , وقولِهِ تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلا وُسْعَهَا} [البقرة ٢٨٦] , وما احْتَجَّ به على وُقُوعِهِ من الابتهالِ فقد تَقَدَّمَ تَأْويلُهُ على الأَثْقَالِ المُمْكِنَةِ التي كُلِّفَ بها مَنْ قبلنا.

ومِمَّا احتج به على وقوعه: أَنَّ اللهَ تعالى كلَّفَ أَبَا لَهَبٍ أَنْ يُصَدِّقَ رسولَهُ - عليه السلام - في جميع ما أَخْبَرَ به، ومن جملة ما أَخْبَرَ به: أنه لا يُصَدِّقُهُ، فقد كَلَّفَهُ بأنْ يُصَدِّقَهُ بأنه لا يصدقه، والتكليفُ به: تكليفٌ بالجمع بين النقيضين.

واعتُرِضَ عليه: بمنع ورود التكليفِ له على هذا الوجه، وَيَفْتَقِرُ إلى نَقْلٍ قاطع.

<<  <  ج: ص:  >  >>