يَجْرِي في أَفْعَالِ الله تَعَالى، وَفِي أَحْكَامِهِ؛ فَوَجَبَ أَلا يَقْبُحَ مِنَ الله تَعَالى شَيءٌ.
الثَّانِي: قَوْلُهُ تَعَالى: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَينَا بَيَانَهُ} [القيامة: ١٨، ١٩] فَكَلِمَةُ "ثُم" لِلتَرَاخِي.
الثالِثُ: أَنْ نَقُولَ: الدلِيلُ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ في النَّكِرَةِ: أَنَّهُ تَعَالى أَمَرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِذَبْحِ بَقَرَة مَوْصُوفَة بِصِفَة مُعَينَة، ثُمّ إِنهُ تَعَالى لَمْ يُبَينْهَا لَهُمْ؛ حَتَّى سَأَلُوا سُؤَالا بَعْدَ سُؤَالٍ:
إِنما قُلْنَا: "إِن الْمَأْمُورَ بِهِ كَانَ بَقَرَة مَوْصُوفَةً بِصِفَةٍ مُعَينَةٍ"؛ مِنْ وَجْهَينِ:
الأوَّلُ: أَن قَوْلَهُ تَعَالى: {ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ} [البقرة: ٦٨] , وَقَوْلَهُ تَعَالى: {إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ} [البقرة: ٦٨] وَقَوْلَهُ تَعَالى: {إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ}
===
حاصِلُهُ أَن الخَصمَ عَوَّلَ في مَنْعِ ما له ظاهِرٌ على أنه تَجهِيل لِلْمُخَاطَبِ، وهو قُبحٌ من الحكيم، وفيما ليس له ظاهر أنه خطاب بما لا فَائِدَةَ فيه، وهو عَبَثٌ.
وكلا الدليلينِ مَبْنِي على التحسينِ والتقبيحِ العقلى، فَإِذا أَبطَلَهُ بَطَلَ مَأخَذُ الخَصْمِ، وليس فيه ما يَدُل على صحة مذهبه، وإنما هو أمر جَدَلِي في إِبطالِ ما عَولَ عليه الخَصمُ.
قوله: "الثاني يعني: من الدَّلِيلِ العَامِّ - قولُه تعالى: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَينَا بَيَانَهُ} [القيامة: ١٨، ١٩]: "ثُمَّ" للتراخي".
اعْترِضَ عليه: بأنهَا قد تَرِدُ لا للتراخي؛ كقوله تعالى: {ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ} [يونس: ٤٦] وقوله تعالى: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا} [البلد: ١٧] , وبقول الشاعر [من الطويل]:
لَا يَكشِف الغَماءِ إلا ابْنُ وَحرَةٍ ... يَرَى غَمَرَاتِ المَوْتِ ثُمَّ يَذُوقهَا
وأجيب: بأن ااستعمَالهَا في ذلك مَجَازٌ، ولا يلزم تَرْكُ الحَقِيقَةِ من غير ضَرُورَة.
قوله: "الثالث: أن نقول: الدلِيلُ على أنه يَجُوزُ تَأخِيرُ البَيانِ في النكرة -يعني: إذا أريد بها المعين- أنه -تعالى- أمر بَنِي إِسرَائِيلَ بذبح بَقَرَةٍ موصوفة معينة، ثم إنه -تعالى- ما بَينَهَا حتى سألوا سُؤَالا بعد سؤال .. " إلى آخره:
الحَاصِلُ: أَن قَوْلَهُ تَعَالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: ٦٧] يَدُل على طلب ذَبْحِ بقرة مُطْلَقَةٍ بظاهره.
ثم تَبَيَّنَ بعد المُرَاجَعَةِ أن المراد بها البَقَرَةُ. المَوصُوفَةُ بالأَوصَافِ المَذكُورَةِ.
[لا] يقال: كان الوَاجِبُ أولًا ذبحَ مُسَمى البَقَرَةِ والتقييد بالأَوْصَافِ، إنما وَجَبَ عند المُرَاجَعَةِ؛ كما نُقِلَ عن ابن عَباسٍ - رضي الله عنهما - قال: "لو أنهم عَمَدُوا إلى أَيةِ بَقَرَةٍ كانت، فَذَبَحُوهَا - لكفتهم، ولكن شَددُوا على أنفسهم، فَشددَ اللهُ عليهم":