للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[البقرة ٦٩]، وَقَولَهُ تَعَالى: {إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ} [البقرة: ٧١]-: يَدُل عَلَى أن مُتَعَلقَ الأمرِ الأوَّلِ- وَهُوَ قَوْلُهُ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: ٦٧]- هِيَ الْبَقْرَةُ الْمَوْصُوفَةُ بِهذِهِ الصِّفَاتِ الْمُعَينَةِ؛ وإن هذِهِ الضمَائِرَ عَائدَة إِلَيهَما لَا إلى غَيرِهَا.

الثانِي: وَهُوَ: أن الصفَاتِ الْمذْكُورَةَ فِي الْجَوَابِ عَنِ السّؤَالِ الثانِي: إما أن يُقَال: إِنهَا صِفَاتُ الْبَقَرَةِ الّتِي أُمِرُوا بِذَبْحِهَا، أَوْ يُقَال: إِنَّهَا صِفَاتُ بَقَرَة وَجَبَتْ عَلَيهِمْ عِنْدَ ذلِكَ السؤَالِ، وَصَارَ مَا وَجَبَ عَلَيهِمْ قَبْلَ ذلِكَ مَنسُوخا بِهذَا الثانِي.

وَالأوَّلُ: هُوَ الْمَطْلُوبُ.

وَالثانِي: يُوجِبُ أَنْ يَقَعَ الاكْتِفَاءُ بِالصفَاتِ الْمَذْكُورَة آخِرًا؛ وَألا يَجِبَ تَحْصِيلُ الصفَاتِ الْمَذكُورَةِ قَبْلَ ذلِكَ، إلا أَن هذَا بَاطِلٌ؛ وإن الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعُوا عَلَى أَن تَحْصِيلَ كُل تِلْكَ الصفَاتِ مُعْتَبَرٌ؛ فَعَلِمْنَا فَسَادَ هذَا الْقِسْمِ.

الْحُجةُ الرَّابِعَةُ في الْمَسْألَةِ: أَنْ نَقُولَ: أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَأمُرَ الله تَعَالى الْمُكَلفَ بِالْفِعْلِ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَمُوتُ ذلِكَ الْمُكَلفُ قَبلَ حُضُورِ وَقْتِ ذلِكَ الْفِعْلِ؛ وَحِينَئِذٍ: يَدُل مَوْتُهُ عَلَى أَنَّهُ مَا كَانَ مُرَادًا بِذلِكَ الْخِطَابِ؛ فَهذَا تَخْصِيصٌ لَمْ يَتَقَدَّمْ بَيَانُهُ.

===

لأنا نَقُولُ: هذا لا يَصح لوجهين:

أحدهما: إِلْزَامِي، والآخر: برهَاني:

أما الإلزامي: فإنه يَلْزَمُ منه النسخ قبل الامتِثَالِ، وهم لا يَقُولُونَ به.

وأما البرهاني: فلأن الضمَائِرَ عَائِدَة إلى البقرة، فَيَدُل على أنها هي الواجبة فيجب أن يقال: إن قوله: "إنها" عائدة إلى البقرة والجوابُ: راجِعٌ إلى ما وقع عليه السؤال.

وقوله: في الثاني: "إن ذلك يُوجِبُ الاكتفاءَ بالصفَاتِ المذكورة آخرًا" غَيرُ صحيحِ؛ لأن الضميرَ يَعودُ إِلى الأقربِ:

فقوله أولًا: "مَا هِيَ" يَعُودُ إِلَى "البقرة"، وقوله ثانيًا: "مَا لَونُهَا" يَعُودُ إِلَى البقرة المَوصُوفَةِ بالوصفينِ المُتَقَدمَينِ؛ فيتعين الإتيانُ بالجميع.

لكن لِقَائِلٍ أَنْ يقولَ: لا حُجةَ في الآية؛ إذ جازَ أن تكونَ المُرَاجَعَةُ في مجلس الخطابِ تَعقُبُهُ بالبيانِ ومِثل ذلك لا يُعَدُّ تأخيرًا في العُرْفِ.

وَتَحَققُ ذلِكَ: أَنَّهُ لو كان تأخيرًا لكان تأخيرًا للبيان عن وقت الحاجة؛ لحاجتهم لفصل الخُصُومَةِ، وهو باطل بالاتفاق.

قوله: "الحجةُ الرابعة في المسألة: أجمعنا على أنه يجُوزُ أنْ يموتَ قبل حُضُورِ ذلك الوقت، وحينئذٍ: يَدُل موتُهُ على أنه ما كان مُرادا بذلك الخطابِ، وهذا تخصيص لم يَتَقَدمْ بيانُهُ":

<<  <  ج: ص:  >  >>