للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

احتَج المُخَالِفُ: بِأنهُ لَوْ جَازَ أن يَذكُرَ الشارعُ لَفظا، ويرِيدَ بِهِ غَيرَ ظَاهِرِهِ؛ فَحِينَئِذٍ: لَا يَبقَى لَنَا وُثُوقٌ بشَيء من الشرَائِعِ، فَلَعَلهُ تَعَالى كَلفَنَا بِالصَّلاةِ وَالمُرَادُ غَيرُهَا، فَإِذَا قَال: "صَلوا غَدًا" فَلَعَل الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: "غَدًا" -: بَعْدَ غَدٍ؛ وَذلِكَ يُوجِبُ الشك في جَمِيعِ الشرَائِعِ.

الْجَوَابُ: أَنكُم وإنْ أَوجَبتُمْ حُصُولَ الْمُخَصِّصِ مَعَ حُصُولِ هذَا اللفظِ؛ إلَّا أَنهُ لَا نِزَاعَ في أَن المكَلفَ قَدْ يَسمَعُ العام، مَعَ أَنهُ لَا يَصِلُ إِلَيهِ ذلِكَ المُخَصصُ؛ وَحِينَئِذٍ: يَلزَمُكُم مَا أَلزَمتُمُوهُ عَلَينَا.

وَأَيضًا: نَقُولُ: إِن مُجَردَ هذِهِ الألفَاظِ يُفِيدُ ظَنًّا غَالِبا بِأن الْمُرَادَ ظَاهِرُهَا؛ فَلَا جَرَمَ: يَحصل لَنَا هذَا الظن الغَالِبُ. فأَما القَطعُ: فَقَد بَينَا أَن اللَّفْظَ لَا يُفِيدُهُ أَلْبَتةَ؛ إلَّا إذَا حَصَلَ مَعَه قَرَائِنُ تَدُل عَلَيه.

===

والاعتراضُ عَلَيه أَن يُقَال قوله: "أجمعنا على أَن ... " الخَصمُ لا يُسَلم ذلك؛ فَإن التكليفَ المُعَلقَ على شرطِ يَعْلَمُ الآمِرُ أَن المُكَلفَ لا يَبلُغُهُ- يَأبَاهُ المُعتَزِلي؛ بِنَاءً على أن المأمورَ به لا بُد وأَن يَكونَ مرادًا للآمر.

ثم لو سُلِّمَ تَحقِيقُ التكليفِ بمثله، فالفَرقُ أَن المُكَلفَ به مَعلُومْ ها هنا، فَصَح اعتقادُ وُجُوبهِ والعَزمُ عليه والشرُوعُ فيه، ثم إِذا طرأ العُذرُ سَقَطَ، بخلافِ التكليف بِخِلافِ الظاهِرِ؛ فَإِنّهُ تجهيل.

وهذا البيانُ كبيانِ النسخ؛ لأنَّهُ قاطع للاستمرارِ، ومِثلُة لا يَمتَنِعُ عندهم أو يُكتَفَى فيه بالبيان الإِجمالي، وقد عُلِم من قاعدة الشرع أنَّ استمرار التكليفِ مشروطٌ بالإِمكانِ وَعَدَمِ وُرُودِ الناسخ فهو كالبيان المقَارِنِ لَفظًا.

قوله: "احتج المُخَالِفُ بأنه لو جاز أن يَذكرَ الشارعُ لفظًا، ويريدَ به غَير ظاهِرِهِ -فحينئذ لا يبقى وثوق بالشارع ... " إلى آخره- ظاهر.

قوله: "والجواب أنكم وإنْ أوجبتم حُصُولَ المُخَصصِ مع حُصُول هذا اللفظ إلَّا أنه لا نِزَاعَ أن المُكَلَّفَ قد يَسمَعُ العَامِ مع أَنهُ لا يَصِلُ إليه المخصص؛ وحينئذٍ يلزمكم ما ألزمتمونا":

يرد عليه: أن التقصيرَ في هذا يُنسَبُ إلى المُكَلفِ لا إلى الشارعِ، والأَولُ تجهيل.

قوله: "وأيضًا نقول: إِن مُجَرَّدَ هذه الألفاظِ يُفِيدُ ظَنًّا غالبًا بأن المُرَادَ ظاهِرُها".

هذا هو الحَق؛ فَإِنا نَعتَقِدُ عند وُرُودِ العَامِّ أَن المُرَادَ ظَاهِرُهُ إنْ لم يَرِد مُخَصصٌ عند الحاجة.

فإذا لم يَرِد بقينا على الأَصلِ، وكذلك في المُطلَقِ وَتُقَيِّدهُ الأمثلةُ المذكورة.

<<  <  ج: ص:  >  >>