للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا الْخِطَابُ الذِي لَا ظَاهِرَ لَهُ -وَهُوَ: الاشمُ الْمُشتَرَكُ؛ كَالقُرءِ المُشتَرَكِ بَينَ الطهْرِ وَالحَيضِ-: فَنَقُولُ: هذِهِ الألفَاظُ لَهَا ظَاهِرٌ مِن وَجهٍ دُونَ وَجهٍ: أما الْوَجْهُ الذِي تَكُونُ هذِهِ الألْفَاظُ ظَاهِرَةَ فِيهِ -فَهُوَ: أَنهُ يُفِيدُ أَنَّ الْمُتَكَلمَ أَرَادَ: إما الطُّهْرَ، وَإما الْحَيضَ. وَأَمَّا الْوَجْهُ الَّذِي تَكُونُ هذِهِ الألْفَاظُ فِيهِ غَيرَ ظَاهِرَةٍ- فَهُوَ: أنهُ لَا يَدُلُّ عَلَى أَن أَي الأَمْرَينِ هُوَ الْمُرَادُ.

فَنَقُولُ: الدلِيلُ عَلَى جَوَازِ وُرُودِ مِثْلِ هذَا الخِطَابِ عَارِيًا عَنِ البَيَانِ- وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَن الاسْمَ الْمُشْتَرَكَ يُفِيدُ: إما هذَا، وَإمَّا ذَاكَ، من غَيرِ تَعيِينِ؛ وَهذَا الْقَدرُ يَصْلُحُ أن يُرَادَ تَعرِيفُهُ مِن غَيرِ بَيَانِ التفصِيلِ.

الثانِي: أَنهُ يَحسُنُ مِنَ المَلِكِ أَنْ يَقُولَ لِبَعضِ خَدَمِهِ: "قَد وَليتُكَ البَلَدَ الْفُلانِي، فَاخرُجْ إِلَيهِ في الغَدِ، وَأَنا أَكتُبُ إِلَيكَ مُذَكرَة في تَفَاصِيلِ تِلْكَ الأَعمَالِ"، وَإِذَا كَانَ مِثلُ هذَا الكَلامِ حَسَنًا في الْعُرْفِ - ثَبَتَ أَنهُ عَارِ عَنْ جِهَاتِ القُبحِ.

واحتج الْمُخَالِفُ: بِأنهُ لَوْ حَسُنَ الخِطَابُ بِالاسْمِ الْمُشتَرَكِ مِنْ غَيرِ بَيَانٍ في الحَالِ- لَجَازَ خِطَابُ العَرَبِي بِالزنْجِيةِ مِنْ غَيرِ بَيَانِ في الْحَالِ.

وَالْجَوَابُ: أَن الْمُعتَبَرَ في حُسنِ الخِطَابِ: أن يَقْدِرَ السامِعُ عَلَى أن يَعرِفَ مَا هُوَ

===

قوله: "وأما الخطاب الذي لا ظاهر له، وهو الاسم المشترك، كالقرءِ المشترك بين الطهر والحيض، فنقول هذه الألفاظُ لها ظاهر .. " إلى آخره:

الحَاصِلُ: أَنَّ الاسمَ المُشتَرَكَ يُفِيدُ بيانًا إجمالِيًّا، وهو من مَقَاصِدِ المُخَاطَبِينَ.

قوله: "إنه يحسن مِنَ المَلِكِ أن يقولَ لبعض خَدَمِهِ: قد وَليتُكَ البَلَدَ الفُلانِي، فاخرج إليه من الغَدِ، وأنا أكتبُ إليك مُذكرة فيها تفاصيلُ تلك الأعمالِ، وإذا كان مِثلُ هذا حسنًا في العُرف، ثَبَتَ أنه عارٍ عن جِهَاتِ القُبحِ":

وهذا الوجه الثاني راجِع إلى بعض صُوَرِ الأَوْلِ؛ فإنهُ بيان إجمالي إلَّا أنَّهُ قصر فيه، وكان حَقهُ أن يقولَ: يأمره بأوامر جملية يحيل تفصيلها على ورود المذكرة؛ ليطابِقَ مَحَل النزاع.

قوله: "واحتج المُخَالِفُ بأنه لو حَسُنَ الخِطَابُ بالاسمِ المُشتَرَكِ من غير بيانِ في الحال- لجاز خطابُ العَرَبِي بِالزنجِية من غيرِ بيانِ في الحال".

وأجابَ بالفَرق بأن الخطابَ بمثل ذلك لا يَصِح؛ لأنه لا يُفهَمُ منه شَيءٌ، والخطابُ بالمُشتَرَكِ يُفْهَمُ منه أَن المرادَ أَحَدُ الشيئين، أو الأشياءِ.

والحَقُّ في الجوابِ أن يجوزَ ذلك أيضًا، ولا فَرْقَ بين ذلك، وبين خطابِ عُمُوم الخَلقِ الأحمر والأسودِ باللسان العَرَبِيِّ بشرط التفسير عند الحاجة؛ قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلا كَافَّةً لِلنَّاسِ} [سبأ: ٢٨].

<<  <  ج: ص:  >  >>