للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَتَى بِمِثلِ فِعْلِ الْغَيرِ لَا لأَجْلِ أَنَّهُ فَعَلَهُ ذلِكَ الْغَيرُ. بَل لأَنَّ الدَّلِيلَ سَاقَهُ إِلَيهِ- لَمْ يَكُنْ مُتَابِعًا لِذلِكَ الْغَيرِ.

إِذَا ثَبَتَ هذَا، فَنَقُولُ: حَصَلَ بَينَ مُتَابَعَةِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ وَبَينَ مُتَابَعَةِ غَيرِ سَبِيل الْمُؤْمِنِينَ وَاسِطَةٌ، وَهِيَ ألا يَتَّبعَ أحَدًا بَلْ يَتَوَقَّفُ إلى وَقتِ ظُهُورِ الدَّلِيلِ. وَإِذَا حَصَلَتْ هذِهِ الْوَاسِطَةُ، لَمْ يَلْزَمْ مِنْ تَحْرِيمِ اتِّبَاعِ غَيرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ وُجُوبُ اتِّبَاعِ سَبِيلِ الْمُؤمِنِينَ؛ وَحِينَئِذٍ: يَسْقُطُ الاسْتِدْلالُ.

===

الحكم بمجرد اتِّفَاقِهِمْ.

السادس: المُؤمِنُونَ حَقِيقَةً من اتَّصَفَ منهم بِالإِيمَانِ؛ وذلك يَتَنَاوَلُ المَوْجُودِينَ حَال نُزُولِ الخِطَابِ، واتفاقهم في زَمَانِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ليس بِحُجَّةٍ، وبعد مَوْتِهِ لم يَبْقَ الجَمِيعُ؛ فاتفاق المَوْجُودِينَ بَعْدَهُ يَكُونُ اتِّفَاقَ بَعْضِ المؤمنين.

السابع: سَلَّمْنَا دَلالةَ الآية على وُجُوب اتِّبَاعِ سَبِيلِ المؤمنين، لكن بم نعلم أنهم مُؤمِنُونَ، والإِيمَانُ من فِعْلِ القَلْبِ، ولا اطِّلاع لنا عَلَيهِ؟ !

الثامن: هذه الاحْتِمَالاتُ المَذكُورَةُ، وإن لم يكن مَقطُوعًا بها؛ لكنها جَائِزَةُ الإرادة، فيكون ذلك مَانِعًا مِنَ الجَزمِ، ودَلالةُ الإِجْمَاع على زَعْمِكُمْ دَلالةٌ قاطعة يكفر جَاحِدُهَا، أو يبدع، أو يُفَسَّق، ومن مَنَعَ دلالة ظَاهِرَةً لا يُكَفَّرُ، ولا يُبَدَّعُ، ولا يُفَسَّقُ، فكيف صارت دَلالةُ الإِجْمَاع -التي هي فَرْعُ دَلَالةِ الظاهر- أَقْوَى من أَصْلِهَا؟ ! وقد اسْتَعْظَمَ الفَخر هذا السُّؤَال، وَوَافَقَ لأجله أَبَا الحُسَينِ؛ في أن دَلالةَ الإِجْمَاعِ ظَنِّيَّةٌ.

والجَوَابُ: قَوْلُهُم: إِنَّ الآية لا تَدُلُّ على تَحْرِيمِ المُخَالفَةِ مطلقًا، بل مع مُشَاقَّةِ الرَّسُولِ: قلنا: مُشَاقَّةُ الرَّسُولِ مُسْتَقِلَّةٌ بالتحريم، فلو لم يَكُن اتِّبَاعُ غَيرِ سبيل المُؤمِنِينَ مُحَرَّمًا- لكان ذلك ضَمًّا لِلْمُبَاحِ إلى المُحَرَّمِ في تَرْتِيبِ الوَعِيدِ عليه؛ وإنه غَيرُ جَائِزٍ.

سَلَّمْنَا أنه مَشرُوطٌ بِمُشَاقَّةِ الرسول، لكن تَرْكَ سَبِيلِ المُؤمِنِينَ ومشاقتهم- مُشَاقَّةٌ لله ورسوله.

وقولهم: إن التَّحْرِيمَ مَشرُوطٌ بتبين الهُدَى، وهو الدَّلِيلُ الذي حَكَمُوا لأَجْلِه، ودليل الإشتراط قضية العَطفِ:

قلنا: لا نُسَلِّمُ أن العَطفَ يُوجِبُ الاشتراك في جَمِيعِ الوُجُوهِ؛ بدليل قوله تعالى: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام ١٤١]، وقوله تعالى: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج ٣٦] والأكل مُبَاحٌ، والإِيتَاءُ والإِطعَامُ وَاجِبَانِ.

سَلَّمْنَا اقْتِضَاءَ العَطْفِ للاشتراك، لكن المَشْرُوطَ [في] تَحْرِيمِ مُشَاقَّةِ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم - تبين هُدًى مَخْصُوصٍ؛ وهو الدلالة على صِدْقِهِ، فَيَتَعَيَّنُ أن يكون هو الشَّرْطَ في تَحْرِيمِ المُخَالفَةِ؛ عملًا بقضية العَطفِ، على ما ذَكَرْتُمْ.

قولهم: المراد بـ"السَّبِيلِ" سبيل خَاصٌّ؛ وهو السَّبِيلُ الذي كانوا به مُؤْمِنِينَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>