للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَجْهُ الاسْتِدْلالِ بِهِ: أَنَّهُ تَعَالى وَصَفَ مَجْمُوعَ الأُمَّةِ بِكَوْنِهِ وَسَطًا، وَالْوَسَطُ: هُوَ الْعَدْلُ؛ فَالْمَوْصُوفُ بِالْعَدَالةِ: إِمَّا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ آحَادِ الأُمَّةِ؛ وَهُوَ بَاطِلٌ قَطعًا، أَوْ مَجْمُوعُ الأُمَّةِ، وَذلِكَ يَقتَضِي أَنْ يَكُونَ مَجْمُوعُ الأُمَّةِ مَوْصُوفًا بالْعَدَالةِ، وَكُلُّ مَنْ قَال قَوْلًا لَيسَ بِحَقٍّ كَانَ كَاذِبًا، وَالْكَاذِبُ يَسْتَحِقُّ الذَّمَّ؛ فَلَا يَكُونُ عَدْلًا؛ فَوَجَبَ: أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَا يَقُولُهُ مَجمُوعُ الأُمَّةِ حَقًّا.

وَلقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: قَوْلُهُ: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} خِطَابٌ مَعَ الأَقْوَامِ الْحَاضِرِينَ فِي ذلِكَ الْوَقْتِ، فَهَبْ أَنَّ هذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ إِجْمَاعَهُمْ فِي ذلِكَ الْوَقْتِ بِعَينِهِ حُجَّةٌ لَكِنَّا لَا

===

قوله: "وَكُلُّ من قَال قَوْلًا ليس بِحَقٍّ يكون كَاذِبًا"؛ لأنه أخبر بالشيء على خلاف ما هو به، يعني: بالاتفاق، أما عندنا: فَشَرْعًا، وأما عند الخُصُوم: فَعَقلًا، وشَرْعًا.

قوله: "فَوَجَبَ أَلَّا يكون عَدْلًا" يعني: على هذا التَّقْدِيرِ؛ لأنه لو لم يكن ما قَالُوهُ حَقًّا، لكَانُوا كَاذِبِينَ، ولم يَكُونُوا عُدُولًا، لكنهم عُدُولٌ بإِخبَارِ الله تعالى، فوجب أَلَّا يصدر عنهم ما يُخِلُّ بالعَدَالةِ، وأن يكونَ ما يَقُولُونهُ حقًّا وصدقًّا؛ فيجب اتباعهم.

قوله: "ولقائل أن يقول ... " إلى آخر الأسئلة.

الحَاصِلُ: أنه اعترض على هذه الحُجَّةِ من ثلاثة أُوْجُهٍ، ولم يُجِبْ عنها؛ لِقُوَّتِهَا على زَعْمِه، ونحن نذكر ما يَخُصُّ هذه الحُجَّةَ من الأَسْئِلَةِ، والجواب عنها إن شَاءَ اللهُ -تَعَالى- مُتَضَمِّنا لما ذكره على الوَجْهِ الجَدلي، بحيث لا يَتَضَمَّنُ مَنْعًا بعد تَسلِيمِ الأَوَّلِ:

قوله: المَوْصُوفُ بـ"الوسط" مَجمُوعُ هذه الأُمَّةِ:

قلنا: لَا نُسَلِّمُ.

قوله: إذا لم يكن المَوْصُوفُ به كُلَّ وَاحدٍ، فالمَوْصُوفُ به المَجْمُوعُ:

قلنا: لا نُسَلِّمُ تَعَيُّنَهُ، مراد الجَوَازِ إِرَادَةُ البَعْضِ؛ لتعذر إرادة ظَاهِرِهِ، وهو كُلُّ وَاحِدٍ، لكن ذلك البَعْضَ غير مُعَيَّنٍ لنا، فلا تَقُومُ به الحُجَّةُ، والإمَامِيَّةُ عَيَّنَتْ ذلك البَعْضَ بالأئمة المَعْصُومِينَ، فلم قلتم: إن هذَا غَيرُ مُرَادٍ؟ لا بد لهذا من دَليلٍ.

قوله: "والوَسَطُ: العَدْلُ":

قلنا: لا نُسَلِّمَ، والظاهر أنه غَيرُ مُرَادٍ من الآيةِ؛ لأَنَّ العَدَالةَ تَحْصُلُ بفعل الوَاجِبَاتِ، واجْتِنَاب المَنْهِيَّاتِ، وهي فعل العَبْدِ، و"الوَسَطُ" المَوْصُوفُ به في الآيَةِ فِعْلُ الله تعالى؛ لأنَّهُ جَعَلَهُ؛ بدليل قَوْلِهِ تعالى: {جَعَلْنَاكُمْ} وما كان فِعْلًا لله لا يَكُونُ فِعْلًا لِغَيره، فَالوَسَطُ في الآيَةِ غير العَدَالةِ.

قوله: "وَكُلُّ مَنْ قَال قَوْلًا ليس بِحَق يكون كَاذِبًا، والكَاذِبُ يَسْتَحِقُّ الذَّمَّ".

قلنا: الكَذِبُ لا يخلو إِمَّا أَنْ يكون عِبَارةً عن الخَبَرِ غير المطابق مع اعْتِقَادِه، أو لا مع اعتقاده؛ على ما يَقُولُهُ الجَاحِظُ: فإن عَنَيتَ به الأَوَّلَ، فلا نُسَلِّمُ أن كُلَّ كَاذِبٍ يَسْتَحِقُّ الذَّمَّ؛

<<  <  ج: ص:  >  >>