أَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي -وَهُوَ ادِّعَاءُ أَنَّ هذَا الْقَدْرَ المُشْتَرَكَ، بَينَ هذِهِ الأَخْبَارِ ثُبُوتِ شَيءٍ يَلْزمُ مِنْهُ كَون الإِجْمَاعَ حُجَّةً-: فَلَا بُدَّ مِنَ الإِشَارَةِ إِلَيهِ؛ لِيعْرَفَ أَنَّهُ حَقٌّ أَوْ بَاطِلٌ.
===
الخام عشر: قوله - عليه السَّلَامُ -: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَسْكُنَ بُحْبُوحَةَ الجنّة فليلزم الجَمَاعَةَ؛ فإن الشَّيطَانَ مع الْوَاحِدِ، وهو من الاثنين أبْعَدُ".
السادس عشر: قوله - عليه السلام -: "لَا تَزَالُ طَائِفَة من أُمَّتِي عَلَى الحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالفَهُم إِلَى أَنْ تَقُومَ القِيَامَةُ". وفي رواية: "لا يضرهم من خالفهم حتَّى يأتي أمر الله".
إلى غير ذلِكَ من الأَحَادِيثِ المُختَلِفَةِ الأَلْفَاظِ، المتفقة المعنى؛ وكلها مَرْويَّةٌ بطرق مَقْبُولَةٍ تفيد القَطْعَ ضرورة بالقدر المشترك، وهو عِصْمَةُ مَجْمُوعِ هذه الأمة.
وأما طريقة النظر: فقد قررها من وجهين:
الأول: أن هذه الأحاديث لم تَزَلْ مَشهُورَةً في عَصْرِ الصَّحَابَةِ والتَّابِعِينَ - رضوان الله عليهم - متمسكين بها، ولم يظهر من أَحَدٍ نَكِيرٌ فيها، مع أن الطِّبَاعَ مَجْبُولَةٌ على المُخَالفَةِ؛ وذلك دليل صحتها، وكونها حُجَّةٌ.
الثاني: أنهم أَثْبَتُوا بها أَصْلًا مَقْطوعًا يحْكُمُ به على الكِتَابِ والسُّنَّةِ، ولا يُمْكِنُ إلَّا عند مُسْتَنَدٍ مَقطُوع به.
واعترض على الطَّرِيقِ الأُولَ بِأَوجُهٍ:
الأَوَّلُ: أن مِثلَ هذا العَدَدَ لو تَطَابَقَ على نَقلِ لَفْظٍ وَاحدٍ - لم تحل العَادَةُ اتِّفَاقَهُمْ على الكَذِبِ، فكيف يَصِحُّ دَعْوَى التَّوَاتُرِ المَعْنَويّ في مثله؟
الثاني: أنكم ادَّعَيتُمُ العِلْم الضُّرُورِيَّ، ومن خاصيته ألا يختلف فيه العُقَلَاءُ، ونحن نُخَالِفُكُمْ.
الثالث: أنكم ادَّعَيتُمُ الضَّرُورَةَ، ثم اشتغلتم بِبَيَانِ وَجْهِ الدَّلالةِ، ولا يَجْتَمِعَانِ.
واعترض على الطَّرِيقِ الثانِي بأَوْجُهٍ:
الأَوَّلُ: قولكم: "لم تَزَلِ الصَّحَابَةُ والتَّابِعُونَ متمسكين بهذه الأَحَادِيثِ من غَيرِ نَكِير، ولا