الحُجَّةُ الرَّابِعَةُ: أَنَّ العَمَلَ بِالْقِيَاسِ يُوجِبُ دَفْعَ الضَّرَرِ الْمَظنُونِ؛ فَيَكُونُ حُجَّةً.
وَقَدْ سَبَقَ الاعْتِرَاضُ عَلَى هَذَينِ الْوَجْهَينِ فِي "بَابِ أَخْبَارِ الآحَادِ".
الحُجَّةُ الْخَامِسَةُ: أَنَّ الأَحْكَامَ غَيرُ مُتَنَاهِيَةٍ، وَالنُّصُوصَ مُتَنَاهِيَةٌ، وَإِثبَاتُ مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ بِالْمُتَنَاهِي مُحَالٌ؛ فَلَا بُدَّ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ سِوَى النُّصُوصِ؛ وَهُوَ الْقِيَاسُ.
===
وقال الشَّعْبِي: ما أَخْبَرُوكَ به عن أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -، فأقْبَلْهُ، وما أخبروك عن أنفسهم، فَأَلْقِهِ في الحُشِّ؛ إِنَّ السُّنَّةَ لم توضَعْ بالمقايِيسِ.
وقال ابنُ مسعود: لا أَقِيسُ شيئًا بشيءٍ؛ أخَافُ أن تَزِلَّ قَدَمِي بَعْدَ ثُبُوتِهَا.
وقال ابْنُ سِيرِينَ: أَوَّلُ مَنْ قَاسَ إِبْلِيسُ.
قلْنَا: إنْ صَحَّ ما ذكرتموه مِنَ الأَخبارِ مع صِحَّةِ ما ذَكَرْنَاه منَ الوقَائِع الكثيرةِ المتَّفِقَةِ على اتفاقهم عَلَى العَمَلِ بالقياسِ وَالرَّأْيِ- فَطَرِيقُ الجَمْعِ وَالتَّوْفيقِ: أَنْ يُحْمَلَ الرأْيُ المذمُومُ على الرأْيِ الموضوعِ في غير مَحَلِّهِ المُصَادِمِ للنصوص؛ بدليلِ قَوْلِهِ: "أَعْيَتهُمُ الأَحَادِيثُ أَنْ يَحْفَظُوهَا"، وقولِهِمْ: لأَحْلَلْتُمْ كثيرًا ممَّا حَرْمَ اللهُ، وَحَرَّمْتُمْ كَثيرً مِمَّا أَحَلَّ اللهُ"، أي: على الرأَي الفاسِدِ الَّذِي لا يَشهَدُ له أصْلٌ من الشَّرْعِ، أَو الرَّأْي الصَّادِرِ عنِ العادِم لأهليَّة الاجْتهادِ؛ كما قال: "اتَّخَذُوا رُؤَسَاءَ جُهَّالًا".
قوله: "الحجة الرابعة: أنَّ العمَلَ بالقياسِ يُوجِبُ دَفْعَ الضَّرَرِ المظْنُّونِ؛ فيكونُ حُجَّةً، وقد سَبَقَ الاعتراض عَلَيهَا في "بابِ أَخْبارِ الآحَادِ":
وهذه من الطرق العقليَّةِ لموجِبِي التعبُّدِ به عَقْلًا، وقد تقدّم إِفْسَادُهَا، وبيانُ أنَّها شُبْهَةٌ.
قوله: "الحُجَّةُ الخامِسَةُ: الأحكام غيرُ متناهية، والنُّصوصُ متناهية، وإثبات ما لا نِهَايَةَ له بالمتناهِي مُحَالٌ، ولا بُدَّ من طريقٍ أُخرَى، وهي القياسُ":
هذا المسلَكُ اعتمده الإمامُ، وساعده الغَزَّالِيُّ عليه في "المَنْخُولِ"، وحاصلُهُ بعد تمام تقريره تمسُّك بإجماعِ جُمَلِيٍّ.
قال الغَزَّالِيُّ: إِنَّا نعلَمُ أن الصحابَةَ مِنْ مفتَتَحِ أمرِهِمْ يوم السَّقِيفَةِ إلَى مَوْتِ واثِلَةَ بْنِ