للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحجة السادسَةُ: القول بِالقِيَاسِ يَتَوَقفُ عَلَى تَعلِيلِ أَحكَام اللِه تَعَالى، وهذَا بَاطِل؛ فَذَاكَ بَاطِل:

بَيَانُ الأولِ: أَمَّا نَقُولُ فِي القِيَاسِ: الحُكمُ هُنَاكَ ثَبَتَ للمعني الفُلانِي، وَذلِكَ المعني قَائم ههُنَا؛ فَيلزَمُ حُصُولُ ذلِكَ الحُكم ههُنَا؛ فَقولُهُ: "الحُكمُ هُنَاكَ ثَبَتَ للمعني الفُلانيِ": قَولٌ بِتَعلِيلِ الحُكمِ.

فَإن قَالُوا: لِمَ لَا يَجُوزُ أَن يَكُونَ المُرَادُ مِنَ التعلِيلِ التعرِيف؟ !

قُلْنَا: هذَا بَاطِل؛ لأَن طَلَبَ عِلةِ الحُكمِ فَرعٌ عن حُصُولِ مَعرِفَةِ الحُكمِ أَولا، فَإذَا كَانَ كَذلك؛ امتَنَعَ جَعلُ ذلِكَ الوَصفِ مُعرفًا لَهُ؛ لامتِنَاعِ تَعرِيفِ الْمُعَرفِ، وَتحصِيلِ الحَاصِلِ.

===

قوله: "الحجة السادِسَةَ:

القولُ بالقيَاسِ موقُوف على تَعلِيلِ أحكَامِ الله تعالى، وهذا باطل، فذاك باطل:

بيانُ الأَوَّلِ: أَنا نقولُ في القيَاسِ: إِن الحكم هناكَ ثَبَتَ للمعنى الفُلانِي، وذلك المعنى قائم ها هنا؛ فَيلزَمُ حصُولُ ذلك الحُكم ها هنا - فقوله: "إِن الحكم هناك ثبت للمعنَى الفُلانِي": تعليل للحُكمِ.

فإن قيل: لِمَ لا يَجُوزُ أَن يُقَال: المُرَادُ بالعلةِ ها هنا: المُعَرف؟ ؟ ! .

قُلْنَا: هذا باطل؛ لأَن طَلَبَ علة الحكم فرعٌ عن معرفة الحكم أولًا، وإذا كان كذلك، امتَنع جعلُ ذلك الوصفِ معرفًا؛ لامتناعِ تعرِيفِ المعرف، وتحصيلِ الحَاصِلِ.

والجوابُ عَمَّا ذَكَرَهُ: أَنه لا نزاع في إطلاق العلة على المؤثر والدَّاعِي والمعرف، وَيمتَنِعُ جَعلُ العلَّةِ الشرعيةِ مؤثرة على أصلِنَا؛ فإنَّ الحُكم الشرعي يرجعُ عِندَنَا إلى خطابِ الله -تعالى- المتعلقِ بأفعَالِ العِبَادِ عَلَى وجْه مخصوصٍ، وخطابُهُ وكلامُهُ قديم، والقديمُ لا يعللُ فَضلًا عن أن يُعللَ بعلة حادثَة؛ ولأنَّ العلَّة في الخمر الإِسكارُ، وهو متحقق قبل التحريمِ، والعلة العقلية يمتنعُ تَخلفُ حُكمها عنها؛ ولأنه لا يمتنعُ تَعلِيلُ الحُكمِ الواحِدِ بعلتَينِ شَرعًا.

وأمّا العِلَّة بمعنى الدَّاعِي: فإن عنَى به الغَرَضَ، فهو على الله -تعالى- عندنا مُحَال؛ لأنه مبني على قاعدة التحسِينِ والتقبِيحِ العقلي؛ ونحنُ لا نقُولُ به.

وإن أَطلَقنَا على السبَب الشرعي الدَّاعِيَ والحامِلَ، فنعني به أَن العلمَ باشتِمالِ شَرعِ الحُكمِ، على حِكمَة معتَبَرة شَرعًا تدعُو المُجتَهِدَ وتَحمِلُهُ على القَولِ بالحُكمِ لا أنه حامل وداع لله تعالى، وإن عنى بالغَرَضِ أن الإحكامَ في الواقِعِ يلزَمُها استصلاح العبادِ في سيرهم وسَرَائِرِهِم، وتلكَ المصالحُ تنشأُ من أوصافٍ ترتبطُ بأفعالِ العباد عادَة، وكونها عِللًا معرفة للأحكامِ بنَصبِ الشارع إِياها أَمَارَةً؛ فهذه هي التي نُسميها عِلَلًا شرعية، ولا يصخ أن يُطلَقَ عليها اسمُ "الغَرَضِ"؛ بالنسبة إلى الله تعالى، واختصاصُ المعرف بالمناسِبِ؛ كالإسكار، أو مَظِنةُ المعنى المُنَاسِبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>