للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنمَا قُلْنَا: إِنَّ تَعْلِيلَ أَحْكَامِ اللِه تَعَالى- مُحَالٌ؛ لِوُجُوهٍ:

الأَوَّلُ: أَنَّ أَكْثَرَ أَحْكَامِهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالى- خَالِيَةٌ عَنْ رِعَايَةِ الْمَصْلَحَةِ؛ وَذلِكَ لأَنَّهُ تَعَالى أَوْجَبَ الإِيمَانَ عَلَى الْكُفَّارِ، وَالطَّاعَاتِ عَلَى الْفُسَّاقِ؛ مَعَ أَنَّهُ تَعَالى كَانَ عَالِمًا بِأَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ، وَلَا يُطِيعُونَ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الأَمْرَ بِالإِيمَانِ وَبِالطَّاعَةِ -حَال حُصُولِ الْعِلْمِ بِعَدَمِ الإِيمَانِ- تَكْلِيفٌ بِالْجَمْعِ بَينَ الضِّدَّينِ؛ وَذلِكَ مُحَالٌ، فَثَبَتَ: أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي تِلْكَ الأَوَامِرِ إِلَّا إِلْحَاقُ الْمَضَارِّ بِهِمْ؛ وَذلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَكْثَرَ تَكَالِيفِ اللِه تَعَالى خَالِيَةٌ عَنْ رعَايَةِ مَصَالِحِ الْعِبَادِ.

===

ولو نَصَبَ الشارعُ الأوصَافَ الطرديَّةَ أماراتِ معرِّفَةً للأَحْكَامِ- لم يمتنعْ عندنا عقلًا، لكنَّ الواقِعَ في الشَّرْعِ خلافُهُ.

وقوله: "إِنَّ طَلَبَ علَّةِ الحُكْمِ فرْعُ مَعْرِفَةِ الحُكْمِ أو لا": يقال له: إِنْ عَنَيتَ تصوُّرَ الْحُكْم، فمُسَلَّم، ولا يلْزَمُ منه تعريفُ المعرف؛ فإِن العلَّة تُعَرَفُ بثبوتِ الْحُكْم أو نَفْيِهِ، لا تصوُّرِهِ، وإنْ عَنَيتَ به أنَّه فَرْعُ ثبوته، قُلْنا: هي فَرْعُ ثبوتِهِ في الأصْلِ، والْحُكْم في الفَرْعِ فرعُ معْرِفةِ علَّةِ الأَصْل، وتَقْرِيرِهَا في الفرْعِ، وحكْمُ الأَصْل لا يُعْرَفُ بِهَا؛ وإنما يُعْرَفُ بالنَّصِّ أو الإِجْمَاعِ؛ فلا دَوْرَ، ولا تحصيلَ للحاصِلِ، وإِنَّما يَلْزَمُ ذلك المعتزلَةَ، ولا نفتقِرُ نَحْنُ إلى الجواب عن الوجُوهِ التي أَبْطَلَ بها الغَرَضَ على الله تعالى؛ لأَنَّا لا نقولُ به، إنَّما نَذْكُرُهَا لبيَانِ المقْصُودِ منْهَا، وتتبع ألفاظَهَا، وَنُنَبِّهَ على ما في مقدِّماتها من الخَلَلِ، إن شاء الله تعالى.

قولُهُ: "وإنما قلنا: إِن تعليل أحكام الله -تعالى- مُحَالٌ؛ لوجوه:

الأَوَّلُ: أنَّ أحكام الله -تعالى- خاليةٌ عن رِعَايَةِ المَصَالِحِ؛ وذلك أَنَّ الله -تعالى- أَوْجَبَ الإيمانَ على الكُفَّار، والطَّاعَةَ على الفُسَّاقِ مع أنَّه علم أَنهم لا يؤمنون ولا يطيعونَ، وقد

<<  <  ج: ص:  >  >>