للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

عَلى الوَصْفِ.

وَأَمَّا النَّقْض بالطَّرْدِيَّاتِ: فَبِاشْتِرَاطِ ألّا يُقْطَعَ بِعَدَمِ عليَّةِ الدائرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَيَّدَهُ بشَرْطِ أَلّا يُوجَدَ فِي المَحَل مثلُهُ أَوْ أَوْلَى مِنْهُ، والطرد لا يعدم في المحل مثله ولا ما هو أولى منه.

وَمِنْهُم مَنْ قَيَّدَهُ بِأَنَّه مِمَّا يَجُوزُ وُرُودُ الشَّرْعِ بِهِ، يَعْنِي: وَعادةُ الشَّرْعِ عَدمُ الالتفاتِ إِلى الطَّرْدِياتِ فِي الأَحْكَامِ.

وَأَمَّا النقض بأَخَصِّ العلَّةِ والشَّرطِ المساوي، فَواردٌ وَلَا سبيلَ إِلَى دَفْعِهِ، إِلَّا بالاحْترازِ عَنْهُ عن تقييد الدَّعْوى أَوَّلا بأَنَّ الدَّورَانَ مُستَلْزِمٌ لِتَحْقِيقِ العِلةِ؛ فَإِن الدائرَ: إِمَّا أَنْ يكونَ عَينَ العلَّةِ أَو لازمَهَا، وأيًّا مَا كَانَ فَقَدْ تحقَّقَ وُجُودُ العلَّةِ.

وَاحْتَجَّ أَيضًا: بِأَنَّ بَعْضَ الدَّوَرَاناتِ، دَليلُ عِلَّيَّةِ الدَّائِرِ، فَيكونُ الكُلُّ كَذلِكَ، وَقَرَّرُوهُ بِدَوَرَانِ الْغَضبِ مَعَ الدعاءِ بالاسْم الخاصِّ، وَهُوَ مُنْقَلِبٌ، وَهُوَ أيضًا منقوضٌ بِجَمِيعَ ما ذُكِرَ.

وَالجوابُ عَنِ النُّقُوَضِ بِمَا تَقَدَّمَ.

قَولُهُ: "بِدَليلِ أَنَّ العقلاء أَطْبَقُوا على أَنَّ التجربَةَ تُفِيدُ ظَنَّ العِلِّيَّةِ، وَلَا مَعْنَى لِذلِكَ إِلَّا مشهادةُ هذِهِ المعايَنَةِ وُجُودًا وعَدَمًا":

يُقالُ لهُ: التجربَةُ اخْتَصَّتْ بِكثرَةِ التَّكرَارِ كثرةً أَفادَتِ العِلْمَ، وَلَا تَتَوقَّفُ دَلالةُ العادَةِ على سببيَّةِ الشيءِ على انْتِفَاءِ الحكمِ عنْدَ انْتِفَائِهِ، وَالدَّوَرانُ يَكفِي فِيهِ المرَّةُ وَالمَرَّتَانِ، وَيَرِدُ عَلَيهِ أيضًا النُّقُوضُ المذكورةُ، وَجَوابُها ما تَقَدَّمَ.

قَوْلُهُ: "وَأعْلَمْ أَنَّ الدورانَ قَدْ يكونُ فِي صورةٍ واحدةٍ مثل أَنَّ عصيرَ العنبِ قَبل أن يصيرَ خَمْرًا، كَانَ حَلالًا، فَلَمَّا صارَ خَمْرًا- صار حرامًا، فَلَمَّا زَالتِ الخمريَّةُ، وصارَ خلًّا- صارَ حَلالًا. وَقَدْ يكونُ فِي صُورَتَينِ؛ كقولِ الحَنَفِيِّ فِي زكاة الحُلِيِّ: "كَوْنُ الذَّهَبِ جَوْهَرَ الأثمانِ فوجبت الزكاة، بدليل أن التبر لما حصل فيه ذلك الجوهر- وَجَبَتِ الزكاةُ فِيهِ، وَسائر الأشياءِ؛ كالثيابِ والعَبيدِ، لَمَّا لَمْ يَحصُلْ فيها ذلِكَ- لَمْ تَجِب الزَّكَاةُ فِيها":

وَلَا شَكَّ فِي إِفادَتِها الظَّنَّ، وَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يمثِّلَ ذلِكَ قَبْلَ الاحْتِجَاجِ فَإِنَّ المقْصُودَ مِنَ المثالِ إِفَادَةُ تصوُّرِ الشيءِ، وَهُوَ مُتَقَدِّمٌ عَلى الاحْتِجَاجِ عَلَى ثُبُوتِهِ أَوْ نَفْيِهِ.

قَوْلُهُ: "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ قَال: الدَّوَرَانُ لَا يُفيدُ العِلِّيَّةَ؛ وَذلِكَ أَن عِلْمَهُ -تَعَالى- مُتَعَلِّقٌ بِالمعلوماتِ التي لَا نِهَايَةَ لَها، وَالعِلْمُ مَعَ المَعْلُوم: كُل وَاحدٍ مِنْهمَا دَائِرٌ مَعَ الآخَرِ وُجُودًا وْعَدَمًا، مَعَ أَنَّه يَمْتَنِعُ كَوْنُ كلِّ وَاحدٍ مِنْهُمَا عِلَّةً للآخَرِ: أَمَّا العِلْمُ، فَلَا يكونُ علَّةً لِلْمَعْلُومِ؛ لأنَّ العِلْمَ تَابعٌ لِلْمَعْلومِ؛ وَتَابعُ الشَّيءِ لَا يكونُ مُؤَثِّرًا فِيهِ، وأَمَّا المعلومَاتُ؛ فَلأَنَّها مُحْدَثَةٌ، وعِلْمُ الله -تعالى- قَديمٌ":

هذِهِ صورةٌ مِنْ صُوَرِ النَّقْضِ بالأُمُورِ المتضايفةِ التِي لَا تُعقَلُ، فَلَا يُوجَدُ أَحدهَا بِدُونِ الآخَرِ: كالأُبُوَّةِ والبُنُوَّةِ، وَقَدْ تَقَدمَ الجوابُ عَنْها؛ بأَنَّا نَشْتَرطُ فِي العلَّةِ الدائرةِ: أَنْ يكونَ الحُكْمُ مَرَتَّبًا عَلَيهَا، وَتكونَ سابقةً عليهِ سَبْقًا ذَاتِيًّا.

<<  <  ج: ص:  >  >>