. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
تَعَارُضِ الأَمَارَتَينِ: إمَّا التخييرُ، واما التَّسَاقُطُ والرُّجُوعُ إِلَى غيرهما، وعلى التقديرَينِ فحكْمُهُ متعيِّنٌ وتارِكُهُ يكُونُ مخطئًا، فثبَتَ أنَّ المصيبَ عَلَى كُل التقديراتِ واحدٌ":
والاعتراضُ عليه أنْ يُقَال: قولُهُ: "إِما أن يكون مكلَّفًا بأن يبني على طَرِيقٍ أَوْ لَا":
قفنا: مكلَّفٌ بِأن يبني علَى طريقٍ.
قوله: "فَثَبَتَ أنَّه لا بُدّ مِنْ طريق":
قلْنَا: في نفس الأمْرِ أو في ظَنِّه؟ : الأول: مَمْنُوعٌ، والثاني: مُسَلَّم، وعند الخَصْم أنه إذا غلب على ظَنِّه مساواة الفَرْع الأصْلَ، وأن المَسْأَلة إذا دَارَتْ بين أصْلَينِ، وهي أقربُ إِلَى أَحدهما من الآخَرِ- كان ذلك طريقًا لظَنِّ الحُكمِ؛ فيَجِبُ عليه اعتقادُهُ، والجَزمُ بأنه مكلَّفٌ به عند ظَنِّهِ بالإجماعِ، وليس للأمارةِ وَجْهٌ مرتَبطٌ على التحقِيقِ لا عقليٌّ، ولا عاديٌّ، بخلاف الأدلَّةِ؛ وإلا لما انتفى الحُكمُ بالمعارِضِ؛ وإنما يختلف أمرها باختلافِ النَّاظِرِينَ فيها؛ فَرُبَّ أمارةٍ تُحَرِّكُ ظَنَّ مجتهدٍ، وَلَا تحرِّكْ ظَنَّ غيره؛ كما رأى أبو بكر - رضي الله عنه - التسويَةَ في العَطَاء، وقال: الدُّنْيَا بلاغٌ، وإنما أسْلَمُوا لله؛ وأجورهم عَلَى الله تعالى، ورأى عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ - رضي الله عنه- أَلَّا يُسَوِّيَ بين الفاضِلِ والمفضولِ، وقال: كَيفَ يُسَوَّى بين من تَرَكَ مَالهُ وأهْلَهُ وهَاجَرَ إلى الله -تعالى- ورسولِهِ وبَينَ مَنْ أسْلَمَ كَرْهًا تَحْتَ ظِلالِ السُّيُوفِ، ورأى التفاوُتَ، وأمْضَاهُ حِينَ صار الأمْرُ إلَيه، وكُلُّ واحد منهما سَمِعَ أمَارَةَ صاحِبِهِ، ولم يُمِلْهُ.
قوله: "وإن كان خاليًا عن المعارِضِ تَعَيَّنَ ذلك الحكمُ، فيكون تاركه مُخطئًا": يقال له: لم قلت: إنه إذا كان خاليًا عن المعارض في نفْسِ الأمْرِ، يكون خاليًا عنه في ظَنَّ المجتهدِ؛ فإنما يَتَعَيَّنُ الحُكمُ به إذا كان خاليًا في ظَنِّه؛ فإنه لا يكلَّف بخلافِ ظَنِّه بالإجماعِ.
قولُهُ: "فإِن كان له مُعَارِضٌ: فإما أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا راجحًا على الآخر أو لا يكون: فإن كان أحدهما راجحًا كان العمل به بالإِجماعِ": يقال له: العَمَلُ بالإجماعِ مَشرُوط بِظَنِّهِ، ولا يَلْزَمُ من رجحانِهِ في نَفْسِهِ، رجحانُهُ في ظَنِّهِ.
قوله: "وعِنْدَ التَّسَاوي: إما التخير أو التساقُطُ": يقال له: لا نُسَلِّمُ بعين أحد الأمْرَينِ، بل يمكنُ أن يُقَال بالوَقفِ.
قوله: "الثالث: أنَّ المُسْتَدِلَّ يستدِلُ بشَيءٍ علَى شَيءٍ، والدليلُ لا بُدَّ وأنْ يكُونَ موجودًا قبل التَّأويلِ فيه، وقبل طَلَبهِ، والدليلُ إذا كان دليلًا على الحُكمِ، فالمدلُولُ كان سابقًا على الدليل الَّذي هو سابِق على التأمُّلِ فيه؛ فيكون الحُكمُ سابقًا على الاجتهادِ، فالقَوْلُ بأن الحكم يكُونُ تابعًا لِلاجتهادِ يُوجِبُ كَوْنَ المتقدِّم متأخرًا -يعني بدرجَتَيْنِ- وهو محالٌ":
وحاصلُهُ أن النَّظَرَ لا بُدَّ له من موضوع وهو محل نَظَرِ النَّاظِرِ، وموضوعُ النَّظَرِ في الأحكام الاجتهاديَّةِ الأماراتُ، وللأمارةِ عَلَى الحُكْمِ ارتباط ما على الجملةِ، يُعَبَّرُ عنه بالدلالةِ، والدلالةُ نِسْبَةٌ بين الأمارةِ والحُكمِ، والنِّسْبَةُ بَينَ الشَّيئَينِ تستلزمُ سَبْقَ الشَّيئَينِ علَيها، فإذا توقَّف الحكم