. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
علَى ثبوت الأمارةِ، وثبُوتُ الأمارةِ على النِّسْبَةِ، والنَّسْبَةُ على الحُكمِ- لَزِمَ سَبْقُ الحُكمِ في نَفْسِ الأَمْرِ على النَّظَرِ والظَّنِّ؛ فلا يكون تابعًا لِلظَّنِّ، وهذا الوجْهُ أقْوَى ما يذكر من المآخِذِ العقلِيَّةِ في المَسْأَلة.
والاعتراضُ منع أن للأمارَةِ وَجْهًا وَارتباطًا في نَفْس الأمر، فَقَدْ فَرَّقَ الخَصْمُ بينها وبَين الدَّليلِ. سَلَّمناه، لكن لِمَ قُلْتَ: إنَّ الطلَبَ مستمرٌّ عليه بَعْدَ بَذْلِهِ الوُسْعَ، وعَجْزِهِ عن الاطلاع، وما المَانِعُ أَنْ يُقَال: انتَقَلَ تكليفه -والحالةُ هذه- إِلَى العَمَلِ بما غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ وهو مصيبٌ؛ لأنَّهُ أدَّى ما وجَبَ عَلَيهِ أَوَّلًا وآخِرًا.
واحتجُّوا مِنَ السَّمْع بقوله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْويلَهُ إلا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران: ٧]، ولَوْلا أنَّ ثَمَّ حُكمًا مُعَيَّنًا، لما حَسُنَ ذلِكَ.
وأُجِيبُوا بأن في تفسيرِ المتشابه اختلافًا للعلماءِ، ومَا تحتمله الألْفَاظُ الواردة المُتَوَهمَةُ في الأسْمَاءِ والصِّفاتِ المتردِّدة بين ما يصححه العَقْلُ وبَينَ ما يمنعه؛ كالاستواءِ، وكقوله: {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي}؛ لتردُّد الاستواءِ بَينَ القَهْرِ وَالاستعلاءِ المُجَوَّزِ عقلًا، والاستقرارِ المُمْتَنِع على الله تعالى عَقْلًا، وتردُّد الإِضافة بين التشريفِ؛ كَبَيتِ الله، ونَاقَةِ الله وغيرها؛ فالراسِخُ في العِلَمِ يَعْلَمُ من المتشابه الوَجْهَ الذي يُشَابِهُ الحَقَّ بِهِ، فَيَرُدُّهُ إلَيهِ، ثم لو سُلِّمَ حَمْلُ المتشابه على المتشابِهِ في الأحكام الشرعيَّةِ- فيجوز تخصيصُهُ بما فيه نَصٌّ أوَ إجماعٌ.
واحتجُّوا بقوله - عليه السلام -: "إِذَا اجْتَهَدَ الحَاكِمُ فَأَصَابَ، فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِنِ اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ".
وأجيبَ بأنه لا يَكُونُ مخطئا إلا إِذا أخطأ نَصًّا أَوْ إِجماعًا أو قياسًا جَلِيًّا، وخَفِيَ ذلك عليه بَعْدَ البَحْثِ، وفيه بُعْدٌ، فإنَّ التَّقْسِيمَ يُشْعِرُ بحكم جملة أحْواله.
واحتجوا بإجماعِ الصَّحابة على إِطْلاقهم الخَطَأَ في الاجتهادِ من غير نكير.
قال أَبو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: أَقُول في الكلالةِ برأيي، فَإنْ يَكُنْ صَوَابًا، فَمِنَ الله تَعَالى، وَإِنْ يَكُنْ خَطَأ، فَمِنِّي وَمِنَ الشَّيطَانِ"، وعن عمر أنَّه حكم بِحُكْمٍ، فَقَال لَهُ رجُلٌ: هذا -والله- هُوَ الحَقُّ، فَقَال عُمَرُ: إِن عُمَرَ لا يَدْرِي أنَّه أَصَابَ الحَقَّ، لكنه لم يَأْلُ جهدًا.
وعن عَلِيٍّ في المرأةِ التي اسْتَحْضَرَهَا عُمَرُ، فأجْهَضَتْ جنينًا، فقال عثمانُ وعبد الرحمن بْنُ عَوْفٍ: إنَّمَا أَنْتَ مُؤَدِّبٌ، لَا نَرَى عَلَيكَ شَيئًا، فقال علي: إِن كانا اجتهدا فَقَدْ أَخطآ، وَإِنْ لَمْ يَجتهِدَا، فَقَد غَشَّاكَ. أَرَى عَلَيك الدِّيَةُ.
وَعَن عَلِيٍّ، وَزَيدٍ، وَابنِ مَسْعودٍ: أنَّهم خَطَّئوا ابنَ عباسٍ فِي رَدِّ العَوْلِ، وَخَطَّأهُمْ هُوَ أَيضًا،