للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

وَذلِكَ شَائِعٌ مِنْ غَيرِ نَكِيرٍ فِي إِطْلاقِهِ.

واعترضَ عَليهِ: بأنَّه قَد يَكُونُ الخطأُ بِمُخَالفَةِ نَصٍّ أَوْ قياسٍ جَليٍّ.

وَأُجِيبَ عَنْهُ: بِأَنَّ التخطئةَ وَقَعَتْ فِي المسائِلِ الاجتهاديةِ، وَلَا تقصيرَ ظاهر فِي مجتهدٍ مِنَ الصحابة، وَمِمَّا يُشَنِّعُ بِهِ مُخَصِّصُو التصويبِ: قَولُهُمْ لِخُصومِهِم: تصويبُ كُل مجتهدٍ يُؤَدِّي إِلى الجَمْعِ بَينَ النَّقِيضَينِ، وَهُو كَوْنُ الشَّيءِ الواحدِ حَرامًا حلالًا، حَتَّى بالغَ بعضُهم، فَقال: "هَذا المَذْهَبُ أَوَّلُهُ سَقْسَطَةٌ، وَآخِرُة زَنْدَقَةٌ"، وَأكَّدُوهُ بِما لَوْ تَزَوَّجَ مجتهدٌ شَافِعِيٌّ مجتهدَةً حَنفيةً، فَقَال لهَا: أَنْتِ بَائِنٌ، ثُمَّ قَال: رَاجَعْتُكِ، وَالرَّجُلُ يَعْتَقِدُ الحِلَّ، وَالمرأةُ تعتقدُ الحُرْمَةَ، وَيلْزَمُ مِنْ صِحَّةِ المَذْهَبَينِ حِلُّها وَحُرْمَتُهَا. وَبِما لَوْ تَزوَّجَ حَنَفِيٌّ امْرأَةً بِغَيرِ وَلِيٍّ، ثم نكحها مجتهد آخر بولي؛ فيلزم في صحة المذهبين حلها لهما معًا. ومن ذلك أن يستفتي عامي مجتهدين مُخْتَلِفَي الاجتهادِ: فإن عَمِلَ بِأحَدِهِمَا، كان تحكُّمًا، وَإِلَّا لَزِمَ المحال، أَوْ التَّرْكُ لَهُمَا.

وَأُجِيبَ: بِأَنَّ هذَا لازِمٌ عَلَى المَذْهَبَينِ، وَيُمْكِنُ الخُرُوج مِنْهُ بالرفْعِ إِلَى حَاكِمٍ، وَيجِبُ اتِّبَاعُهُ.

وَأمَّا العامِّيُّ، فَحُكمُهُ حُكمُ تعارُضِ الأَمَارَتَينِ لَدَى الْمُجْتَهِدِ.

وَمِمَّا تَمَسَّكُوا بهِ: أَنَّهُ لَو اجْتَهَدَ اثْنَانِ فِي جِهَةِ القِبلةِ، وأَدَّى اجتهادُ كُلِّ وَاحدٍ مِنْهُمَا إِلَى جِهةٍ غَير جهةِ الآخَرِ، لَمْ يَأْتَمَّ أَحَدُهُما بِالآخَرِ.

وَلَوْ كانَ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبًا، لَصَحَّ الاقتِداءُ، وَهُوَ ضعِيفٌ:

أَمَّا أَوَّلًا فَلَيسَتِ المسْأَلَةُ إِجْماعيَّةً، وَقَدْ قال أَبو ثَوْرٍ: "يَصِحُّ الا قْتِدَاءُ، أو يُصَلِّي كُلُّ وَاحدِ إِلَى جهةِ غلبةِ ظَنِّهِ، كالمُسْتَقْبِلِينَ فِي البَيتِ".

وَأَمَّا ثانيًا: فَلَيسَ كُلُّ مَنْ صَحَّتْ صَلاتُهُ فِي نَفْسِهِ، صَحَّ الاقْتداءُ بِهِ؛ فَإِن أَحَدَ الخُنْثَيَينِ لا يَأْتَمُّ أَحدُهُما بِالآخَرِ؛ لاحتمالِ أَنْ يكُونَ الإِمامُ أُنْثَى، وَالمأمومُ ذَكَرًا، مَعَ صِحَّةِ صلاةِ كُلِّ وَاحدٍ منهما، بل يعتبرُ فِي الاقتداءِ شرائطُ آخرَ. وَهَهُنَا في تقديرِ صِحَّةِ صلاةِ المأمومِ بُطلانُ صلاةِ إمامِهِ؛ لاسْتحالةِ كَونِ القِبْلَةِ فِي جهتَينِ، فَالاجتهادُ فِي القبلةِ كَالاجتهادِ فِي مسألة فيها نَصٌّ؛ وَقَدْ تَعَيَّنَ فِي الا قتداءِ فِي هذِه الصلاةِ الخطأُ في المَأمُوم، واحتجوا بِقولِهِ تعالى: {وَدَاوُودَ وَسُلَيمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (٧٨) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيمَانَ وَكُلًّا آتَينَا حُكْمًا وَعِلْمًا} [الأنبياء: ٧٨ - ٧٩]، واختصاص سُلَيمَانَ بِالتَّفهِيمِ دليل على اختصاصِهِ بِالإِصابةِ وَ"نَفَشَتْ" أَي: انتَشَرَت فِيهِ لَيلًا، وَالقَوْلُ بأَنَّهما لَمْ يَحْكُمَا عَنِ اجْتِهَادٍ، بناءً على أَنَّهُ لَا يَسُوغُ

<<  <  ج: ص:  >  >>