للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جَائِزٌ، وَمُقْتَضَاهُ التَّخْيِيرُ؛ وَيَدُلُّ عَلَيهِ قَوْلُهُ -عَلَيهِ السَّلامُ- فِي زَكَاةِ الإِبلِ: "فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ"؛ فَمَنْ مَلَكَ مِائَتَينِ، فَقَدْ مَلَكَ أَرْبَعَ خَمْسِينَاتٍ وَخَمْسَ أَرْبَعِينَاتٍ، فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَينَ إِخْرَاجِ الْحِقَاقِ وَبَنَاتِ اللَّبُونِ.

===

كما مثله فِيمَنْ مَلَكَ مائتين من الإِبِلِ؛ فإنَّ الواجِبَ فيها أربَعُ حِقَاقٍ أو خَمْسُ بَنَاتِ لَبُونٍ، لاشتمالها على أرْبَعِ خَمْسِينَاتٍ، وعلَى خمسِ أَرْبَعِينَاتٍ. وهذا واضحٌ، ونظيره مَنْ صَلَّى بالكعبة.

وتمامُ البحثِ بذكر أحكام تَتَعلَّقُ بالمقلّد في الفُرُوعِ، ويجبُ عليه التقليدُ؛ لقولِهِ تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [الأنبياء ٧] وقولِهِ - عليه السلام - -: "أَلا سَأَلُوا إِذَا لَمْ يَعلَمُوا".

وخالف بعضُ المعتزلةِ، وأوجَبُوا عَلَيه النظر وسُؤَال العَالم؛ لِيُعَينَ له الطرِيقَ؛ فَيَنْظُرَ وَيُعْمَلَ.

ولنا: إِجماعُ الأُمَّة في كُلِّ عَصْر قبل حدوثِ هذَا الخلافِ وبَعْدَهُ علَى تَرْكِ الإِنكار على العوامَّ في الاقتصارِ علَى مُجَرَّدِ الاستفتاءِ، وتقليدِهمْ في الفتوَى، ولأنَّ تكليفَهُمْ ذلك تعطيلٌ عن طلب المعَاش وفَسَادِ العالمِ.

لا يقالُ: إنما يلزمُ ذلك لو وَجب على المُجْتَهِدِ النَّظَرُ في أَخْبَارِ الآحَادِ والأقيسة، وعندنا لا حجَّةَ في شَيءٍ من ذلك، وإنما أساس الاجتهادِ أُمُورٌ ثلاثةٌ: البراءةُ الأصليَّةُ، وإباحةُ المَلاذِّ، وحرمةُ المَضَارِّ، وكلُّ عقلِ سليمٍ يُدْرِكُ ذلك مِنْ غير حاجةٍ إلَى صَرْفِ زمانٍ يُؤَدِّي إِلَى تعطيل المعاشِ, وعنْدَ عَدَم الإحاطةِ بهذه الأمورِ، فهو متمسِّكٌ بالبراءة إلا أَنْ يَنْقُلَهُ عنها نَصٌّ قاطِعٌ, ومَنْ لم يستَقِلَّ بهذه الأُصُولِ فَلْيَسْأَلِ المُفْتِيَ عنها؛ فإنَّه يدركُها في أيسَرِ زمانٍ.

وهذا سؤَالٌ تُورِدُهُ الشِّيعَةُ؛ والجوابُ عنه: أنا قد أبْطَلْنَا قاعِدَةَ التَّحْسِين والتقبيحِ العَقْلِيِّ، وبيَّنَّا وجوبَ الرجُوعِ إلى العمومَاتِ والأَقْيسَةِ وأَخْبَار الآحَادِ، وقرَّرنا ذلك في مواضِعِهِ بما فيه غُنْيَةٌ.

وإذا تقرَّر هذا، فنقولُ: لَيسَ للعامِّيِّ أن يستَفْتِيَ مَنْ لم تثبتْ عنده أهليَّتُهُ لذلك بالنَّظَر اللائِقِ المغلب علَى ظَنِّه، ومما يدركه به أن يَظُنَّ عِلْمَهُ وَوَرَعَهُ, , والعَامِّيُّ قادرٌ على ذلك حَسَبَ قُدْرَته على غَلَبَةِ ظَنِّهِ بِحَذْقِ طَبِيبٍ، وسائر أربابِ الحِرَفِ، وذلك بِالتَّسَامع، وازدحامِ أعْيَان النَّاس عَلَيهِ، والتصدِّي على مَلإِ من أَهْلِ العِلْم للفتوَى، وثناءِ أهل الحقِّ علَيه مع اشتهاره بملازَمَةِ العلماءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>