للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلهذا أثبتوا البشرية لأنفسهم.

وأما إثباتها بطريق القصر فليكون على وفق كلام الخصم (وكقولك) عطف على قوله: كقولك لصاحبك؛ ...

===

شيئا؛ لأنها لا دخل لها فى مطلوبكم ولا تنافى مطلوبنا، ونظير ذلك أن يقال لمن قال أنا أعرف العربية ما أنت إلا أعجمى الأصل أى: لا عربى فيقول ذلك القائل: ما أنا إلا أعجمى الأصل كما قلتم، ولكن يجوز فى حق الله أن يعلم العربية لمن شاء من عباده، لكن استعمال المجاراة فى الأول أكثر.

(قوله: فلهذا) أى: فلعدم التنافى

(قوله: وأما إثباتها إلخ) جواب عما يقال: إنه كان يكفى فى المجاراة أن يقولوا: نحن بشر مثلكم فالنفى والاستثناء لغو، إذ ليس المراد إلا مجرد إثبات البشرية

(قوله: على وفق كلام الخصم) أى: فى الصورة فيكون فى الكلام مشاكلة وهذا أقوى فى المجاراة، وعلى هذا يكون الحصر غير مراد، بل هو صورى فقط والصيغة مستعملة فى أصل الإثبات على وجه التجريد واستعمال اللفظ فى بعض معناه وهو الإثبات دون النفى، وحاصل ما ذكره الشارح من التوجيه أن الرسل لم يريدوا القصر، بل أصل الإثبات على سبيل التجريد وإنما عبروا بصيغة القصر لموافقة كلام الخصم، وقد يقال: لا يلزم من كون كلامهم على وفق كلام الخصم عدم إرادة الحصر، فالأحسن فى التوجيه أن يقال:

إن القصر مراد لهم؛ لأن الكفار لما ادعوا أن الرسول لا يكون إلا ملكا لا بشرا نزلوهم فى دعواهم الرسالة منزلة من يدعى الملكية وينكر البشرية فقالوا: إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا بمعنى: ما أنتم إلا مقصورون على البشرية وليس لكم وصف الملكية، فأجابهم الرسل بقولهم:

إن نحن إلا بشر مثلكم أى: ما نحن إلا مقصورون على البشرية وليس لنا وصف الملكية كما تقولون، لكن لا ملازمة بين البشرية ونفى الرسالة كما تعتقدون، فإن الله تعالى يمن على من يشاء من عباده بخصوصية الرسالة ولو كانوا بشرا، وحينئذ فقول الرسل المذكور ليس فيه انتفاء الرسالة، بل تسليم انتفاء الملكية فيكون من باب المجاراة وإلزامهم بقولهم: وَلكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ (١) إلا أنه يرد على هذا التوجيه أن يقال: كيف صح القصر


(١) إبراهيم: ١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>