للقدرة الحادثة، فتعين أن يكون متعلق النهى الكف المذكور، إذ هو فعل يحصل بشغل النفس بضد المنهى عنه، وأجاب أبو هاشم: بأن دوام عدم الفعل واستمراره مقدور باعتبار أن الشخص قادر أن يفعل ذلك الفعل فيزول استمرار عدمه فعدم الفعل من هذه الجهة يكون مقدورا وصالحا؛ لأن يكون أثرا للقدرة الحادثة، واستدل أبو هاشم لما قال:
بأن الناس يمدحون من دعى إلى الزنى وتركه، وإن لم يخطر ببالهم أنه فعل الضد، ورد عليه بأنا لا نسلم أنهم يمدحونه على عدم الفعل، بل يمدحونه على فعل الضد وهو كف النفس عن الزنى بالاشتغال بغيره، فتحصل من هذا أن الأشاعرة يقولون: المطلوب بالنهى الكف، والمعتزلة يقولون: المطلوب به الترك، فعلى الأول لا يحصل الامتثال بالترك لا عن قصد: كأن ترك ذاهلا أو ناسيا؛ لأن الكف يستدعى تقدم الشعور بالمكفوف عنه، ويحصل الامتثال بالترك المذكور على الثانى؛ لأن عدم الفعل لا يستدعى الشعور به، فإن قلت يلزم على الأول إثم من ترك شرب الخمر مثلا ذهولا أو نسيانا لعدم امتثاله ولا قائل بذلك- قلت: الامتثال شرط الثواب، وأما انتفاء الإثم فيكفى فيه عدم الفعل، وعلى القول الثانى: وهو أن المكلف به عدم الفعل يكون من لم يفعل المنهى آتيا بمقتضى النهى كما قلنا، لكن لا بد فى الثواب من نية الترك المستلزمة للشعور، ثم إن قولهم إن كف دواعى النفس يحصل بشغلها بالضد يبطل بمن لا داعية له: كالأنبياء، وأيضا حاصل كف الدواعى عدم العمل بمقتضاها بسبب التلبس بالضد، وذلك هو حاصل القول الأخير، فقد عاد الأمر إلى أنه لا قدرة على المنهى بسبب التلبس بالضد مطلقا، والإثم ساقط بعدم التلبس بالفعل المنهى عنه ولو بلا شعور، والثواب لا بد فيه من النية على كلا القولين، ولذا قيل: إن القول الأول قريب من الثانى، وإن الخلف بينهما لا تظهر له ثمرة بينة. اه يعقوبى.
(قوله: بالاشتغال إلخ) متعلق بمحذوف أى: ويتحقق كف النفس عن الفعل بالاشتغال إلخ، وليس متعلقا بكف لاقتضائه أن مدلول النهى الكف مع الاشتغال مع أن مدلوله الكف فقط- كذا قرر شيخنا العدوى.