(ومنها: أن يدل العقل عليهما) أى: على الحذف وتعيين المحذوف (نحو:
وَجاءَ رَبُّكَ (١)) فالعقل يدل على امتناع مجىء الرب تعالى وتقدس، ويدل على تعيين المراد أيضا (أى: أمره أو عذابه) فالأمر المعين الذى دل عليه العقل هو أحد الأمرين، لا أحدهما على التعيين.
===
بكأن ولم يجزم بأن حذف المضاف هو المصحح لعبارة المصنف إشارة إلى عدم تعينه لاحتمال أن يكون قوله: أن يدل مقحما، والأصل منها العقل أو يجعل قوله: أن يدل العقل من باب إضافة الصفة للموصوف بعد تأويل المصدر المنسبك من أن يدل بمعنى الفاعل فكأنه قال منها دليل العقل أى: العقل الدال كجرد قطيفة وأخلاق ثياب أى:
قطيفة جرد وثياب أخلاق، ولا يخفى ما فى هذين الجوابين من التعسف.
(قوله: أن يدل العقل عليهما) أى: معا بمعنى أنه يستقل بإدراك الأمرين بالدليل القاطع من غير توقف على قرائن فى العبارة أصلا، وقد علمت أن الدلالة على تعيين المحذوف تستلزم الدلالة على مطلق الحذف دون العكس
(قوله: فالعقل يدل على امتناع مجىء الرب) أى: يدرك ذلك بالدليل القاطع من غير توقف على قرائن فى العبارة، وحيث دل العقل على ذلك فلا بد من حذف حتى يستقيم معنى الكلام وأل فى العقل للكمال إذ المدرك لما ذكر إنما هو العقل الكامل فخرجت المجسمة القائلون بأن الله جسم
(قوله: فالأمر المعين إلخ) هذا جواب عما يقال: إن أو فى قوله أو عذابه للإبهام، وحينئذ فلا تعيين للمحذوف فلا يصح القول بدلالة العقل على التعيين، وحاصل الجواب أن المراد أنه يعين الأحد الدائر بين الأمر والعذاب والأحد الدائر بين الأمرين المذكورين معين بالنظر لعدم ثالث وإن كان مبهما بالنسبة لهما فهو تعيين نوعى لا شخصى، وعلى هذا فمراد المصنف بالتعيين ما يشمل التعيين النوعى بقى شىء آخر وهو أن الأمر والعذاب يستحيل مجيئهما، والجواب أن المراد بأمره وعذابه المأمور به والمعذب به من ميزان ونار وغيرهما، لكن لما كان إسناد المجىء لله يوهم أن الله ذاته مجسمة احتيج للدليل العقلى بخلاف إسناد المجىء للأمر أو العذاب، فإنه لا بشاعة فيه