للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ومنها أن يدل العقل عليه والعادة على التعيين؛ نحو: فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ (١)) فإن العقل دل على أن فيه حذفا؛ ...

===

وإن كان مجازا لم يحتج للدليل العقلى- فتأمل- قرره شيخنا العدوى، قال العلامة اليعقوبى: وفى جعل العقل دالا على التعيين هنا نظر من وجهين أحدهما: أن إدراك العقل لكون المقدر أحد الأمرين لا تستقل به دلالته، بل يحتاج إلى قرائن مثل كون هذا اليوم يوم القيامة الذى لا يناسبه إلا ما ذكر لكونه موعودا فيه بالحساب والعقاب والرحمة، فتقدير العذاب أو الأمر الشامل للعذاب مناسب له؛ لأن العذاب هو الموجب لتهويله والتخويف به المقصود من الآية، وحيث كانت الدلالة على أحد الأمرين يحتاج فيها العقل إلى قرائن كان الدال غير العقل؛ وذلك لأن المدرك للأمور هو العقل، لكن إن كانت دلالته مستقلة نسبت الدلالة إليه، وإن كانت دلالته غير مستقلة نسبت الدلالة لذلك الشىء المستعان به، ولا يخفى عدم استقلال العقل هنا.

ثانيهما أننا إن جوزنا تقدير الأخص فى مقابلة الأعم؛ لأن الأمر أعم من العذاب لم ينحصر المقدر فيما ذكر لصحة أن يقدر وجاء نهى ربك أو جاء جند ربك القائم بتعذيب العاصى أو جاء عبيده القائمون بذلك كالملائكة، وأيضا تقدير الأمر أولى وأظهر لشموله كما فى آية: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ (٢) فإن تقدير التناول لشموله أظهر- انتهى، وإنما كان الأمر أشمل؛ لأنه واحد الأمور فيشمل النهى والعذاب وغير ذلك- فتأمل.

(قوله: أن يدل العقل عليه) أى: على الحذف

(قوله: والعادة) أى: وتدل العادة أى المقررة لا العادة فى استعمال الكلام بخلاف ما سبق فى المقصود الأظهر، والحاصل أن المراد بالعادة والعرف الذى تبين به المقصود الأظهر كون الشىء يفهم من الاستعمال كثيرا، ويقصد لخصوصية فيه بخلاف العادة هنا فإن المراد بها تقرر أمر لآخر فى نفسه من غير نظر لدلالة الكلام عليه عرفا كتقرر كون الحب الغالب لا يلام عليه

(قوله: نحو فذلكن إلخ) أى: نحو قوله تعالى حكاية عن امرأة العزيز فى خطابها النساء


(١) يوسف: ٣٢.
(٢) المائدة: ٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>