للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وموقعه فى النفس ألطف، وإنما يكون البعيد الغريب بليغا حسنا إذا كان سببه لطف المعنى ودقته، أو ترتيب (بعض المعانى على بعض، وبناء ثان على أول، وردّ تال إلى سابق فيحتاج إلى نظر وتأمل (وقد يتصرف فى) التشبيه (القريب) المبتذل

===

حصول المطلوب قبل وقت ترقبه أو من غير موضع يطلب منه ويترقب فيه، فإذا اجتمع الطلب وعدم الترقب فقد بلغ المرتبة العليا من اللذة.

(قوله: وموقعه فى النفس) أى: ووقوعه عند النفس

(قوله: وإنما يكون .. إلخ) جواب عما يقال: إن الغرابة تقتضى عدم الظهور وخفاء المراد لاقتضائها قلة الوجود المقتضية لعدم إدراك كل أحد فيحتاج إلى مزيد التأمل والنظر، ولا شكّ أن عدم الظهور وخفاء المراد يوجب التعقيد وقد تقدم أول الكتاب أنه مخلّ بالفصاحة والإخلال بالفصاحة يخلّ بالبلاغة، وحينئذ فلا تكون الغرابة موجبة لبلاغة التشبيه، فبطل قول المصنف والتشبيه البليغ ما كان من هذا الضرب، وحاصل الجواب: أن الخفاء وعدم الظهور تارة ينشأ عن لطف المعنى ودقته، وهذا محقق للبلاغة وهو المراد هنا، وتارة ينشأ عن سوء تركيب الألفاظ وعن اختلال الانتقال من المعنى الأول إلى المعنى الثانى، وهذا هو المحقق للتعقيد المخلّ بالفصاحة

(قوله: إذا كان سببه لطف المعنى) أى: لا إن كان سببه سوء ترتيب الألفاظ كما فى قوله:

وما مثله فى النّاس إلا مملّكا ... أبو أمّه حىّ أبوه يقاربه (١)

أو كان سببه اختلال الانتقال من المعنى المذكور إلى المعنى المقصود كما فى قوله:

سأطلب بعد الدار عنكم لتقربوا ... وتسكب عيناى الدّموع لتجمدا (٢)

على ما تقدم تقريره (وقوله: ودقته) عطف تفسير، والغريب الذى سبب غرابته لطف المعنى ودقته كما فى تشبيه البنفسج بأوائل النار فى أطراف كبريت (وقوله: أو ترتيب


(١) البيت للفرزدق فى لسان العرب (ملك) ومعاهد التنصيص ١/ ٤٣، وبلا نسبة فى الخصائص ١/ ١٤٦، ٣٢٩، ٣٩٣.
(٢) البيت للعباس بن الأحنف الشاعر الغزلى المشهور، وهو فى ديوانه ١٠٦ ودلائل الإعجاز ٢٦٨ والإشارات والتنبيهات ص ١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>