للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو الصحيح، وبالنصب وهم (عيناى الدّموع لتجمدا) (١) جعل سكب الدموع كناية عما يلزم فراق الأحبة ...

===

أى: عطفا على مجموع سأطلب وقرر بعضهم أنه بالرفع عطف على أطلب، فالمعنى وستسكب إلخ، وفى هذا الثانى نظر؛ فإن البكاء شعار المحبين؛ لأنه ينبئ عن شدة الشوق، فلا ينبغى التسويف به إلا أن يقال: إن التسويف به لا بهذا الاعتبار، بل باعتبار ما فيه من المشاق وتكدير عيش العشاق.

(قوله: وهو الصحيح) أى: لثبوته عنده بالنقل الصحيح؛ ولأن ما ذكره من معنى البيت هو الصحيح عنده وهو مبنى على الرفع

(قوله: وهم) أى: غلط؛ وذلك لأنه إما عطف على بعد من قبيل عطف الفعل على اسم خالص من التأويل بالفعل وهو لا يحسن؛ لأن سكب الدموع حينئذ يدخل تحت الطلب، ولا يخفى أن البكاء والحزن شعار العاشق المهجور غير منفكين عنه فى حال من الأحوال، وحينئذ فلا معنى لطلبهما للزوم طلب الحاصل؛ إلا أن يقال: المطلوب استمرار السكب لا أصله، وإما عطف على قوله: لتقربوا وهو لا يصح ذلك؛ لأن تعليل طلب بعد الديار بالقرب يدل على أن المقصود من طلب البعد قرب الأحبة المقتضى للفرح والسرور، فكيف يعلله بعد ذلك بالحزن الذى هو المراد من سكب الدموع؟ إذ تعليله به يقتضى أن المقصود من طلب بعد الديار حصول الحزن والكآبة له لأقرب الأحبة، فالتعليل الثانى يفيد نقيض ما أفاده الأول، والتناقض الذى هو باطل ما جاء إلا من جعله عطفا على: لتقربوا فبطل عطفه على بعد وعلى لتقربوا، وحينئذ فتعين الرفع

(قوله: جعل سكب الدموع كناية إلخ) أى: فليس المراد للشاعر الإخبار بسكب عينيه للدموع، بل القصد الإخبار بلازمه وهو


(١) البيت من الطويل، وهو للعباس بن الأحنف فى الإيضاح ص ٧، وشرح عقود الجمان ١/ ١٥، والبيت فى ديوانه أيضا ص ١٠٦ ط. دار الكتب، ودلائل الإعجاز ص ٢٦٨، والإشارات والتنبيهات ص ١٢، قوله: " وتسكب" بالرفع ونصبه بالعطف على" بعد" أو على" تقربوا"، وهم، والحق أن لا شىء فى عطفه على" تقربوا"، والسين فى قوله" سأطلب" لمجرد التأكيد، ومعنى الشطر الأول أن يفارقه رجاء أن يغنم فى سفره فيعود إليه فيطول اجتماعه به.

<<  <  ج: ص:  >  >>