للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الكآبة والحزن، وأصاب، لكنه أخطأ فى جعل جمود العين كناية عما يوجبه التلاقى ...

===

الكآبة والحزن، فكأنه قال: وأوطن نفسى على مقاساة الأحزان والكآبة، وقوله: عما يلزم أى: عن لازم يلزم فراق الأحبة أى: كما يلزم سكب العين للدموع، فالحزن لازم لفراق الأحبة ولسكب العين للدموع، ولو قال عما يلزمه من الكآبة والحزن لكان أحسن؛ لأن الكناية إطلاق الملزوم وإرادة اللازم، لا التعبير عن اللازم لشىء بشىء آخر.

(قوله: من الكآبة) بفتح الهمزة وسكونها يقال: كئب الرجل يكأب .. كعلم يعلم، كآبة وكأبة مثل: رآفة ورأفة، وهى سوء الحال والانكسار من أجل الحزن، فعطفه عليها من عطف السبب على المسبب

(قوله: وأصاب) أى: فى ذلك الجعل لسرعة فهم الحزن من سكب الدموع عرفا، ولهذا يقال أبكاه الدهر كناية عن كونه أحزنه، وأضحكه كناية عن كونه أسره قال الشاعر (١):

أنزلنى الدّهر على حكمه ... من شامخ عال إلى خفض

أبكانى الدّهر ويا ربّما ... أضحكنى الدّهر بما يرضى

أى: أبكانى الدهر بما يسخطنى، وقلما سرنى بما يرضى

(قوله: لكنه أخطأ فى جعل إلخ) أى: لعدم فهم ذلك اللازم بسرعة من جمود العين؛ وقوله أخطأ: أى فى نظر البلغاء؛ لأنه مخالف لموارد استعمالهم؛ وذلك لأن الجارى على استعمالهم إنما هو الانتقال من جمود العين أعني: يبسها، إلى بخلها بالدموع وقت طلبه منها، وهو وقت الحزن على مفارقة الأحباب، فهو الذى يفهم من جمودها بسرعة، لا دوام الفرح والسرور كما قصد الشاعر، قال الشاعر (٢):


(١) البيتان لحطّان بن المعلى من الشعراء الإسلاميين ومن شعراء الحماسة (وهى مختارات لأبى تمام من شعر السابقين، ولذا يقال شاعر حماسي)، وانظر البيت فى شرح ديوان الحماسة للتبريزى ١/ ١٥٢، ودلائل الإعجاز ٢٦٩، وقد كنى الشاعر فيه بإبكاء الدهر له عن إساءته، وبإضحاكه له عن سروره.
(٢) البيت لأفلح بن يسار، وقيل مرزوق بن يسار المعروف بأبى عطاء الخراسانى فى رثاء ابن هبيرة عند ما قتله-

<<  <  ج: ص:  >  >>