للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الفرح والسرور ...

===

ألا إنّ عينا لم تجد يوم واسط ... عليك بجارى دمعها لجمود

أى: لبخيلة بالدموع، ولهذا لا يصح فى الدعاء للمخاطب أن يقال: لا زالت عينك جامدة؛ لأنه دعاء عليه بالحزن، فالمعنى الذى أراده الشاعر لا يفهم من العبارة بسرعة، وحينئذ فيكون الكلام معقدا، ومن المعلوم أن الكلام المعقد يعد صاحبه مخطئا فإن قلت: إنه لا ملازمة بين جمود العين ودوام الفرح والسرور، فكيف ينتقل الشاعر منه إليهما؟ قلت: استعمل جمود العين الذى هو يبسها فى خلوها من الدموع وقت الحزن مجازا مرسلا، والعلاقة الملزومية، ثم استعمله فى خلوها مطلقا من الدموع مجازا مرسلا من باب استعمال المقيد فى المطلق، ثم كنى به عن دوام الفرح والسرور لكونه لازما لذلك عادة، وهذا وإن كان يكفى فى صحة الكلام واستقامته، لكن يخرجه عن التعقيد المعنوى؛ لظهور أن ذهن السامع العارف بصناعة الكلام لا ينتقل إليه بسهولة؛ لبعد ذلك اللازم مع خفاء القرينة بسبب عدم هذا الاستعمال على موارد البلغاء.

ومن المعلوم أن ما يوجب صعوبة فهم المعنى المراد بمراحل من البلاغة بحيث يعد صاحبه عند البلغاء من المخطئين فالحاصل أن الخطأ فى استعمال الجمود فيما قصده الشاعر من دوام الفرح والسرور ليس لاشتراط النقل فى آحاد المجاز، بل لكون تعارف البلغاء على خلافه، والاستعمال الجارى على خلاف استعمال البلغاء يمنع التفات الأذهان لما التفتوا إليه فى استعمالهم.

أما إذا لم يعلم تعارف البلغاء، فيجوز الانتقال عن الملزوم لوجود العلاقة المصححة إلى أى لازم كان

(قوله: من الفرح والسرور) الفرح: مصدر الفعل اللازم، والسرور: مصدر المتعدى، يقال: سرتنى رؤيتك، وحينئذ فلا مشاكلة بينهما، وقد يجاب بأن السرور إما مصدر المبنى للمفعول فيكون لازما أيضا أو مصدر المبنى للفاعل


- المنصور يوم واسط بعد أن أمّنه، وواسط مدينة بالعراق بناها الحجاج بن يوسف الثقفي، وبعد هذا البيت:
عشيّة قام النائحات وشقّقت ... جيوب بأيدى مأتم وخدود
وانظر البيت فى شرح الحماسة للتبريزى ٢/ ١٥١، ودلائل الإعجاز ٢٦٩، والإشارات والتنبيهات ١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>