للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمنفية تفيد تأكيد النفى ودوامه لا نفى التأكيد والدوام كقوله تعالى: وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (١) ردا لقولهم آمَنَّا ...

===

بالنسبة للوجه الثانى؛ لأن المعتبر فيه تأكيد النفى وكذا هنا المعتبر تأكيد الثبوت

(قوله: والمنفية تفيد تأكيد النفى) أى: استمرار الانتفاء ومن هذا يتخرج الجواب عن النفى فى قوله تعالى:

وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (٢) بأن ترجع المبالغة إلى نفى الظلم، فالمعنى انتفى الظلم عن المولى انتفاء مبالغا فيه، فالجملة مفيدة لتأكيد النفى والمبالغة فيه لا لنفى التأكيد والمبالغة وإلا لاقتضت أن المنفى إنما هو المبالغة فى الظلم فيفيد ثبوت أصل الظلم وهو باطل.

(قوله: لا نفى التأكيد) إن قلت قضية قاعدة أن النفى يتوجه إلى القيد فى الكلام أن الجملة المنفية إنما تفيد نفى التأكيد، قلت هذا إذا اعتبر القيد سابقا على النفى، وأما إذا اعتبر سبق النفى كانت مفيدة لتأكيد النفى، والحاصل أنه إذا اعتبر القيد سابقا على النفى أفادت نفى القيد غالبا، وتارة تفيد نفى المقيد، وتارة تفيد نفيهما معا عند الشارح خلافا للشيخ عبد القاهر حيث أوجب نفى القيد، وأما إذا اعتبر تقدم النفى فإنما تفيد تأكيد النفى أو يقال إن هذا- أى: إفادة تأكيد النفى- استعمال آخر للنفى كما قاله سم.

(قوله: ردا لقولهم آمَنَّا) بيان ذلك أن قولهم آمنا يفيد حدوث الإيمان منهم وصدوره فى الماضى ولو مرة؛ لأن الماضى يدل على الوقوع والانقطاع فرد المولى سبحانه عليهم بقوله: وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ مؤكدا للنفى بالباء الزائدة فى الخبر، فالنفى ملحوظ أولا قبل التأكيد فهى مفيدة لتأكيد النفى، والمعنى حينئذ إيمانهم منفى نفيا مؤكدا وعلى هذا فقوله: وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ سالبة كلية مناقضة للموجبة الجزئية حكما، التى هى قولهم: آمَنَّا وليس التأكيد ملحوظا أولا قبل النفى بحيث يكون الكلام من نفى التأكيد وإلا لم يكن ردا لقولهم؛ لأن نفى التأكيد يقتضى ثبوت أصل إيمانهم وهذا عين دعواهم.


(١) البقرة: ٨.
(٢) فصلت: ٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>