للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأن تعلق المشيئة ببكاء التفكر غريب كتعلقها ببكاء الدم؛ وإنما لم يكن من هذا القبيل (لأن المراد بالأول البكاء الحقيقى) لا البكاء التفكرى؛ لأنه أراد أن يقول:

أفنانى النحول ...

===

الإمام محمود جار الله الزمخشرى وضرام السقط بكسر الضاد المعجمة وبكسر السين المهملة شرح له على ديوان أبى العلاء المعرى المسمى بسقط الزند، وسقط الزند فى الأصل عبارة عن النار الساقطة من الزناد، فشبه ألفاظ ذلك الديوان بالنار على طريق الاستعارة المكنية وإثبات الزند تخييل، والضرام فى الأصل معناه التأجيج فضرام سقط الزند تأجيج ناره

(قوله: لأن تعلق المشيئة ببكاء التفكر غريب) اعترض بأنه كيف يكون من الذكر للغرابة، مع أن غرابة مفعول المشيئة أعنى: أن أبكى إنما هى بمفعوله أعنى تفكرا وهو لم يذكر إذ لم يقل فلو شئت أن أبكى تفكرا بكيته، وقد يجاب بأنه مذكور على طريق التنازع، فإن أعملنا فيه فعل الشرط فظاهر ذكره، وإن أعملنا الثانى وقدرنا للأول ضمير المتنازع فيه كفى؛ لأن المقدر كالمذكور، واعترض على الأول بأنه لو كان كذلك لوجب الإتيان بالضمير فى الثانى؛ لأن فى حذف الضمير تهيئة العامل للعمل وقطعه وهو ممنوع، وأجيب بأن المنع ليس متفقا عليه فقد أجاز بعضهم الحذف للضمير من الثانى؛ كالأول واستدل بنحو قوله:

بعكاظ يعشى النّاظر ... ين إذا هم لمحوا شعاعه

فعلى الاحتمال الأول يمكن التصحيح بالجرى على مذهب هذا المجيز- تأمل.

(قوله: لا البكاء التفكرى) أى: وحينئذ فلا يصح ما قاله صدر الأفاضل من أن الأصل لو شئت أن أبكى تفكرا بكيت تفكرا، وبطل القول بأن البيت مما ذكر فيه مفعول المشيئة لغرابته؛ لأن مفعول المشيئة فيه ليس غريبا حينئذ، وتعين القول بأن مفعول المشيئة إنما ذكر لعدم الدليل الدال عليه لو حذف، ومما يحقق أن المراد بالبكاء الأول الحقيقى أن الكلام مع إرادته يكون أنسب بمقصود الشاعر وهو المبالغة فى فنائه، حتى إنه لم يبق فيه مادة سوى التفكر؛ لأنه يكون المعنى على هذا التقدير لو طلبت من نفسى بكاء لم أجده، بل أجد التفكر بدله وأما لو كان المعنى لو شئت أن أبكى تفكرا بكيته لم يفد أنه لم يبق فيه إلا التفكر لصحة بكاء التفكر الذى هو الحزن والكمد عند

<<  <  ج: ص:  >  >>