للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

العلماء بسبب مثل هذه الزلات، ولكنها ظلت هن غيرأن تندمج فى جملة العقائد الإسلامية، وكانت تختلف فى مظهرها بين الزهد والنظر العقلى. وكانت غايتها معرفة الله بطريق العبادات أو اتباع أهل التصوف مستعينة على ذلك بالتأثير فى نفس المريد أو بالايحاء الذاتى أو غيرهما.

وكانت المهمة التى نهض لها الغزالى (المتوفي عام ٥٠٥ - هـ (١١١١ - ١١١٢) أن أقام بناء مذهب صوفى لطف فيه هن القول بوحدة الوجود أو هو قضى عليه قضاء تامًّا. وجعل كشف أهل التصوف مصدرًا من مصادر علم الكلام الإسلامى إلى جانب النقل والعقل. استخدم الغزالى العقل فى نقد العقل، وفى البرهنة على أن الانسان لا يستطيع أن يصل بالعقل إلى صريح الحق، واستخدم النقل فى تهذيب خيال أهل التصوف وفى القبض على عنانه، وبنى مذهبه الكلامى على مشاهدات المؤمن لنفسه بعد تهذيب هذه المشاهدات وإصلاحها على هذا النحو الذى بيناه.

غير أنه فيما يتعلق بذات الله اتبع رأى محمدًا [- صلى الله عليه وسلم -] ولم يحد عنه شيئًا. والله عند الغزالى إرادة، وكان يشاهد فعل الله ويلمسه فى كل ما حوله من أشياء.

وقد يكون الغزالى صاحب مذهب فى علم النفس أساسه: أنا أريد فأنا موجود.

نفخ الله فى الانسان من روحه (سورة الحجر، آية ٢٩؛ سورة ص، آية ٧٢) والنفس الإنسانية تخالف كل شئ فى هذا الكون لأنها جوهر روحانى؛ هى مخلوقة، ولكنها ليس لها صورة وليس لها حجم ولا مكان، وهى فى هذه القطيعة على الأرض تصبو إلى العالم الإلهى، ولذلك تشتاق نفوسنا إلى الله.

ورغم ما فى هذه الآراء من نفى المخالفة بين الخالق والمخلوق، فلا شك أنها قريبة جدًّا من رأى محمدًا [- صلى الله عليه وسلم -] ولذلك صار الغزالى عند جمهور المسلمين، ولا يزال إلى اليوم أعظم الفقهاء، ومقامه عند المسلمين مثل مقام القديس أوغسطين أو القديس توماس