للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ضد مذهب التجسيم، أما فى مسألة الاختيار، فإنه نهج طريقًا وسطًا، وقال بمذهب لا يزال مشكلة إلى اليوم، ويقوم هذا المذهب على أن للمخلوق قدرة على اكتساب أفعاله بحيث تجعلها له، وإن كان الذى يخلقها فى الحقيقة هو الله.

واتّبع أصحاب الأشعرى مذهبه فى العقيدة من غير أن يحيدوا عنه أنملة، ولكنهم فصَلوا آراءه فى المسائل الإلهية حتى جعلوها مذهبًا كاملًا أخذ صيغته الأخيرة على يد الباقلانى المتوفى عام ٤٠٣ هـ (١٠١٢ - ١٠١٣ م)، فيما يتعلق بذات الله وبالعالم وعلاقة أحدهما بالآخر. ويمكن تصورها على هذا النحو (انظر Develop-: Macdonald ment of Muslim Theology ص ٢٠١ وما بعدها). عرّف الباقلانى العلم بأنه معرفة الشيء على ما هو عليه فى ذاته ...

وأكد الإسلام عجز العقل عن إدراك ذات الله، لأن الإنسان عاجز عن معرفتها بما أوتى من قدرة، فيجب علينا أن نقبل ما جاءنا من عند الله ونؤمن به.

نصل الآن إلى النزعة الثالثة وهى طريق الكشف أو التصوف: لا تكون معرفتنا لله يقينية كاملة إلا إذا كان أساسها الروح، لذلك ذهب المسلمون إلى أن روح الإنسان تستطيع أن تصل إلى الله وتعرفه من غير واسطة، وهذه القدرة فى الروح أمر مكمل لما جاء للناس على ألسنة الأنبياء.

ظهرت نزعة التصوف عند المسلمين من أول أيام الإسلام، ولا تزال باقية إلى اليوم، وكانت تظهر بدرجات وصور تتفاوت من مجرد التعبد إلى أعلى مرتبة فى الغيبة عن الخلق، والفناء فى الله، وإلى القول بوحدة الوجود. وكانت هذه النزعة الصوفية فى القرون الأولى للإسلام عامة بين المسلمين يذهب إليها كل منهم على حدة، ويجاهر بتأييدها كثيرون من فحول المتكلمين، وتؤدى بين حين وآخر إلى آراء تغلو فى القول بوحدة الوجود، حتى لقد أنكرها بعض كبار