للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمشافهة لها (بألسنة السهام) (١) كأنّما يخاطب زحل. أقرب من السماء إلى الأرض، وإلى الطّول من العرض، وإلى النجوم من التخوم، وإلى التخوم من النجوم. قد تناسبت طرفاها في المنعة فهي لا تؤتى من المصاعد ولا من القواعد، ولا ينال الغرض منها من الأقارب ولا من الأباعد. يتلقّى هبوب الرياح حجارة المجانيق المرسلة إليها بصدره، ويحجب عنها سهم المرسل فتكفيه عاقبة مكره، وتكاد أن تناضل عنها رجوم النجوم بحقّ الجوار، وترعى لها الدّخول تحت أذيال السحاب أفقها فعل من أجار. قد اكتنف بها التحصين من كلّ / ١٠٦ ب / الجهات، واكتنفها التمتين فلا سبيل إلى ما يؤلم من الملمّات يصادمها الشهم من السهم فيرجع من فوق بلا فوق، والحجر الصّلد فيعود وقد وجد من جلادتها ما يعوق، (من مسامته العيّوق) (٢). وقد حمت منعتها عرض عرضها من أن يثلم. وطول طولها على متديّرها بحفظ الإيواء أن تتحكّم في بنائها المحكم. إلاّ أنّا أيّدنا من السماء فأسقطنا بداء المحاصرة الدّفين قوّتها، وألنّا نيوب السهام السّود نبوتها إلى أن جعلناها {حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ} (٣). وأسكتن حسّ هبوب الرياح المارّة بمنافسها فلم نبق لها من حسّ. وأخذناها وواخذناها، ونبذناها ونابذناها، وزاولناها فأزلناها، وقابلناها. وعلى سوء الأدب في عدم تقبيل الأرض عند مشاهدتنا فقابلناها. وسيّبنا وسبينا، وسرّينا وسرينا.

وكتابنا هذا وقد أذعن جامحها، وكان سانحها وبارحها. وخرس من الكفرة نابحها، ودنى (٤) إلى القبضة نازحها. وأطاع عاصيها، وأخذت - ولله الحمد - من صياصيها. / ١٠٧ أ / واستقرّ قرارها، وتوطن نفارها. وصارت - والحمد لله - دار إسلام، ومحلّ تحيّة وسلام. ومقرّ ملك سيستولي - بمشيئة الله تعالى - حتى على مدينة السّلام والسّلام. انقضى أمرها وهي الآن بيد الإسلام، يعلن فيها بعد الناقوس بالأذان».

[ذكر مهادنة طرابلس الشام]

كان هذا الحصن أيضا مهادن مع الملك الظاهر (٥)، رحمه الله تعالى، وانقضت هدنته، وتصرّمت مدّته، واستحالت مودّته.


(١) عن الهامش.
(٢) عن الهامش.
(٣) سورة يونس، الآية ٢٤.
(٤) الصواب: «ودنا».
(٥) كانت مهادنة الظاهر بيبرس لطرابلس في سنة ٦٦٩ هـ‍. أنظر: الروض الزاهر ٢٦٦ و ٣٨٣، ونهاية -

<<  <   >  >>