للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأخو نجدتها. هذا، والتتار لا يذلّون، لا يميلون ولا يملّون، ولا ينتهون إلى غاية ولا ينتهون، ولا يغيّرون لأنفسهم بل يغيرون، ولا يقفون عندما به يضرّون ويضيرون. وكلّما (مادت شوكتهم قويت، وكلّما) (١) قام ملك من عظمهم ظنّ أنّ الأرض له قد زويت. يرون الصلح عارا وأيّ عار، ويظنّون الاستكبار في الاستكثار، والجموع الملفّقة من القوة والاستظهار. وكلّما ردّوا بالعزائم الإسلامية عادوا، وكلّما أرشدتهم الوقائع الإيمانية إلى صواب المسالمة عادوا. ولا تميل لهم جارحة على أنّها بنكاية السهام الإسلامية مجروحة لا جارحة. لم يسمع منذ ظهروا أنّ ملكهم ذلّ بإرسال رسله طالبا الصلح، ولا سائلا في المهادنة ظنّا منه أن في المقابحة لا للمصالحة غاية / ٦٨ أ / النجح.

إلى أن ملّك الله مولانا السلطان، وعلم العدوّ من التتار والفرنج أنّ الملائكة له من جملة الأعوان. وأنه كان فرعا لا يطاق فكيف وقد صار أصلا، وتبعا لا يحمل وإن كان ممّن تابعه أكبر نبلا. ورأوا أنّ الغنيمة الباردة في إطفاء جمرة ثورته، وإخماد فورته. بالصلح الذي هو سيّد الأحكام، وطلب الموادعة التي تنيمهم في الدّعة ممّا لقسيّه من سهام.

[[إسلام أحمد بن هولاكو ومراسلته السلطان قلاوون]]

وكان أصوبهم رأيا في ذلك، وأسلكهم لمنهج الصواب الذي كان قد غمّ على من قبله ما لوضوح المصلحة من مسالك. وهو الملك أحمد بن هولاكو (٢)، فإنّه لما أفضت نوبة ملك التتار إليه، وانعقد إجماعهم عليه، وصار إليه أمرهم، وأفضى إليه سرّهم، قيّض الله له من الموصل شيخا يقال له عبد الرحمن فهداه السبيل، وأورده السلسبيل، وحسّن له الإسلام، وندّمه على ما مضى في كفره من الأيام. وأراه أنّ المصلحة في مصالحة مولانا / ٦٨ ب / السلطان، وأن يسكن الحال من الجانبين، رفقا بمن بقي عنده من جند القان، فبادر إلى رأيه مستصوبا، وأذّن في بلاده بكلمة التوحيد فكان كلّ لأذانه مثوّبا. وجهّز رسله إلى أبواب


(١) عن الهامش، وكتب في آخرها: صح.
(٢) إسمه الأصلي؛ تكدار، واسم أمه قنوخاتون، وهي نصرانية. (تشريف الأيام والعصور ٤).

<<  <   >  >>