وعندما اجتمعت العساكر تحت الصناجق المنصورة، وغدت التتار بين مولانا السلطان وبين إعدام بقيّتهم محصورة دهشوا لما نابهم من هذه الحيرة، وعلموا أنهم لا خلاص لهم وقد أحاط بهم مولانا السلطان ضرره وضيره، ولّوا الأدبار، وفرّوا ولكن لم ينفعهم الفرار، لأنّ مولانا السلطان - خلّد الله ملكه - حدّ لهم فجدلهم، وعاج لهم فعاجلهم، وساق لهم فما صاقلهم، وغسل بماء السيف خبثهم. فطهّر منهم العباد والبلاد / ٥٠ ب / وساق أرواحهم الكافرة ولا غير الخزّي واللعنة زاد.
وكانت هذه الطائفة التي أخّرها عمّن قتل من قومها ما فرغ ربّك منه من ساعة ذلك الأجل، وأمهلها ولم يهملها إلاّ ريثما قضته في أكدر عيش من الخوف والوجل. قد نزلوا السوق خلف الميسرة الإسلامية إلى المحلّ الذي عزمت الميسرة على الكرّة عليهم منها، واشتغلوا بكسب حمالة المسلمين واغتنام كسر سفرهم. وحملتهم نهمة الجوع على سوء عاقبة سفرهم، إلى رجب من صفرهم. وأطمعهم ما بلغهم من كثرة مال مولانا السلطان، وما صحبه من الخزائن التي ملئت بما يملأ العين من العين، وما الخبر كالعيان.
[ذكر غريبة اتفقت عند المصاففة]
لم يشعر مولانا السلطان والقسيّ من الجهتين متراسلة / ٥١ أ / برسل الموت من سهامها، والسيوف حاسرة بتجرّدها من الأغماد مدار لثامها. والعوامل من القبيلتين على الاندفاق في الصدور عامله، والصفوف حوامل وكم ولدت من عجيب حقود، هي على طلب التتار حامله، إلاّ وقد حضر بعض أجناد الحلقة، ومعه نشّابه فيها بطاقة مربوطة فحلّ رباطها، وشكر عن أداء نصحها جهادها ورباطها.
وحين فضّ مولانا السلطان ختامها، وحسر لثامها، تقدّم الصدر فتح الدين صاحب الديوان فقراها، وأحسّ بحسّ الأداء قراها، ومضمونها:
«يا سلطان الإسلام، قد بلغ التتار، أنّ بين يديك خزانة يقال لها خزانة دينار، على ماية بغل مايتا صندوق، في كل صندوق خمسة آلاف دينار عينا، وقد عيّنوا عليها، وعرفوا جهتها، فانصبّوا إليها، فخذ حذرك، والسلام».
فشكر مولانا السلطان معار جناح هذا السهم المسرّح، / ٥١ ب / وأثنى على