للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جيوشنا على الجملة منهم فالجملة. فأخذوا في المخاتلة، ونحن نجدّ في المقاتلة. وعمدوا إلى المخادعة، ونحن لا نفتر في المقارعة، وجروا على عادتهم في تولّيهم الإدبار، أي أنهم انكسروا، وظنّوا أنه تجلب لهم ريح خديعة خسروا. وكانت عدّة القوم ماية ألف أو يزيدون، وجاءوا في أجناس محبّشة من تتار وفرنج وأرمن وأعجام وكرج من كل حدب ينسلون. وحمي الوطيس، وتنوّع فيهم القتل ما بين / ٥٤ أ / جريح وكسير وفطيس. وجدّ النضال، وقرعت النصال النصال، وطلبت الأوتار الأوتار. وغنّت السيوف الإسلامية بعرس النصر ولا غيّر رؤس أعداء الله التتار (النثار) (١). ولم يكن إلاّ كلمح البصر أو هو أقرب، أو جلسة خطيب ومن ألسن الخرصان (٢) على منابر العوامل أخطب. حتى محيت آثارهم، وهتكت عن أرواحهم من الأجساد أستارهم. وحيل بينهم وبين ما يشتهون، وظلموا أنفسهم بالتجاسر على بلاد الله (ولسان) (٣) النصر يتلو (٤) {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} (٥). ولم يبق العزم الإسلامي منهم فاتك (٦)، ولا من يقول لهمّتنا المؤيّدة: فاتك. وكانوا قد حملوا على الميسرة بجملتهم فما حمدوا عاقبة حملتهم، فكرّت عليهم أيّما كرّه، وأخذتهم وقد وثقوا بانحياز المسلمين عنهم على غرّه. وكتابنا هذا وقد أيّد الله الإسلام ونصره، وأظفره بأعدائه وأقدره، وجنود الله قد شفوا صدور السيوف من ظهور الملحدين، وعونه / ٥٤ ب / قد أيّدهم فأصبحوا على عدوّهم ظاهرين. فليأخذ حظّه من هذه البشرى بهذه النوبة التي ما سطر مثلها من النوب. وهذه النصرة التي وهبها الله فله الحمد فيما منها وهب. وليتقدّم بضرب البشائر، والتحدّث بنعمتها في كل مقيم وسائر. والله تعالى الموفّق بكرمه».

[[عودة السلطان المنصور إلى القاهرة]]

وعاد مولانا السلطان إلى دمشق وقد زخرفت بالأمتعة الثمينة، وزيّنت فكان


(١) عن الهامش.
(٢) هكذا، والصواب: «الخرسان».
(٣) عن الهامش.
(٤) الصواب: «يتلو» من غير ألف.
(٥) سورة الشعراء، الآية ٢٢٧.
(٦) الصواب: «فاتكا»، وأوردها المؤلّف هكذا لاتفاق السجع.

<<  <   >  >>