للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بما يجب لمثله، وتوجّه لأداء فرض حسم الداء ونفله. ولم يزل - خلّد الله سلطانه - حتى جمع الكلمة، ومحى (١) بنور طلعته ليالي الفتن المظلمة. وأرعب الأعداء، وسكن الدهماء، ويأتي ذكر ذلك مفصّلا.

[[خروج السلطان قلاوون لمواجهة التتار]]

كان القوم قد داخلهم الطمع، وغرّتهم الخدع، وبسط آمالهم ما بلغهم ما اتّفق للملك السعيد، وظنّوا أنها فرصة تنتهز، وموعدة تنتجز. فاجتمعوا على قصد البلاد وأجمعوا، وجاءت الأخبار بدخيلة أمرهم، وجليّة مكرهم، وصورة ما عليه صمّموا، وما له يمّموا، وما فيه تمّموا، إلا أنهم ما تمّموا، ولا سلّموا حتى ودّعوا. ولا أقول ما ودّعوا حتى سلّموا لا بل ولا سلّموا.

ولمّا تأكّدت هذه الأخبار عند مولانا السلطان بكتب مكاتبيه، وقصّاد أخباره الذين لا يزالون لمشافهة أخبارهم مشافهيه. فإنّ مولانا السلطان ملك والمكاتبون ببلاد التتار منبثّون، ولغامض أخبارهم مكاتبون، كبغداد، وتوريز (٢)، والعراق، وسائر بلاد العجم، وماردين، والموصل، والروم، والكرج، وما من هذه البلاد وأكبارها (٣)، لا بل ونوّابها، [إلاّ] (٤) يطالعون بالأخبار أوّل (٥) بأوّل. ولهم رسوم جزيلة لا تنقطع عنهم، وأموال جمّة تحمل إليهم. لا جرم أنهم كانوا بما كان من العدوّ وما يكون منهم. فلم يكذّب مولانا السلطان خبرا، / ٢٩ ب / ولا اتّهم مخبرا. بل ساعد وتقدّم إلى العساكر المنصورة، فخرجت أوّل (٥) بأول، ولا شكّ فيما بلغه ولا تأوّل.

وعندما تكمّل خروج العسكر خرج في الساقة، وبذل في تكملة العدّة والعديد الجهد والطاقة. فحين وصل إلى غزّة صحّت عنده الأخبار أنّ القوم عندما طار إليهم خبر عزم مولانا السلطان طارت أنفسهم شعاعا. ودخلوا مساكنهم جزعا وهلعا، ولم يكشفوا بالخسارة قناعا، فآثر التخفيف عن البلاد الشامية من نقل وطأت (٦) العساكر المنصورة التي ملأت الرحاب، وتسنّمت حتى الهضاب، وغصّت بها البراري والقفار. وكادت أن تكاثر عدد أمواج البحار.


(١) الصواب: «ومحا».
(٢) يقال: توريز وتبريز.
(٣) الصواب: «وكبارها».
(٤) إضافة على الأصل يقتضيها السياق.
(٥) الصواب: «أولا».
(٦) الصواب: «وطأة».

<<  <   >  >>