وكتب توقيعا بمسامحتها قرئ على المنابر، ومزّق ما احتوته من دفاتر. وادّخر مولانا السلطان أجرها لليوم الآخر.
[ذكر ما سامح به أيضا]
كانت الأموال في تلك الفترة السّعيديّة قد انساقت بواقي، وبلاد تحصيلها بعسف فلاّحيها قد عادت شراقي، فسامح بجملتها وعمّر البلاد، وأمّن العباد برفع ثقلتها، وسيرت التواقيع / ١٢٥ ب / بما به من ذلك قد سمح، وترنّم بها لسان الخطباء على أعواد المنابر وصدح.
ذكر عفّة مولانا السلطان عن سفك الدّماء
كان مولانا السلطان لا يسفك دما، ولا ينقل فيه إلى التجرّي على الله قدما. ولا يأمر فيه إلاّ بما أمرت به الشريعة المحمّديّة. وإذا عرض من ذلك شيء أحضر العلماء باختلاف المذاهب واستفتاهم في تلك القضيّة.
[ذكر شيء من قعدد مولانا السلطان وثبته ورياسته]
ما زالت الملوك في أسفارهم إذا خرج الطلب من المنزلة ساقوا تحت الصّناجق مقدارا يسيرا، وخرجوا من تحتها في شرذمة يسيرة من خواصّهم للصيد والقنص (وأفلتوا من طلبهم كما يفلت الطائر من القفص)(١)، إلا مولانا السلطان فإنّه لم يرض بهذه الخفّة، ولا طار في هذه الجفّة. / ١٢٦ أ / بل كان لا يفارق أعلامه من المنزلة إلى المنزلة، ولا يرى أن تكون خلوا من أيّ جماله المنزلة.
وأقام في الملك ما أقام ولم يقصد الحمّامات، ولا وصل إلى السكندريّة، ولا توغّل بالدّرك في تلك البرّية. وردّه عن ذلك ما له من التجربة وحنكتها، والدّربة وملكتها. ولا سافر إلى الشام عبثا، ولا خرج إلاّ لمهمّ عدوّ، ولا شكي مصاحب لسفره معه وعفا، خلّد الله سلطانه ما أهناه، وأكمل لفظه بمعناه، وأحسن سمته، وأهون عليه. وإن عزّ ما رمته منه وسمته. وأثبت جأشه، وأحسن رياشه. وليس لله بمستنكر إيداعه في خلقه وخلقه.