ثمّ إنّ مولانا السلطان استحضر أمراء مشوره، وأجرى الحديث معهم في غزو القوم بسبب هذه الفتنة، وقصدهم بما كانوا يتستّرون به من المهادنة من المحنة، فاعترض الأمراء بحديث الهدنة وأنّها ألزمت بأيمان، وتنزّلت منزلة الأمان، وتضمّنت عهدا وحفظ العهد من الإيمان.
فأشار مولانا السلطان إلى صاحب ديوان مكاتباته فتح الدين بأن يتتبّع الهدنة، لعلّ أنّ نظفر منها بمستند في قصد القوم، وأن يتلمّح منها ومن هذه القضيّة الواقعة / ١٢٨ ب / ما يبلغ منهم المروم بالحدّ لا تمليس الأشمام بالتهديد، وليس الأشمام كالرّوم.
وكنت كتبت هدنتهم، وعندي نسختها، فاجتمعنا أنا ووالده الصدر محيي الدين، وهو، وقرئت الهدنة من أوّلها إلى آخرها مرارا، فصمّم الصدر محيي الدين أن لا فسحة فيها، ولا موجب فسخ من باديها ولا خافيها. فالتفت إليّ وقال: ما تقول أنت؟
فقلت: نحن مع غرض مولانا السلطان إن كان في فسخها ففيها فسحة تقتضي فسخه. وإن لم يكن له غرض في فسخها ففي محكمها ما لم يقتض نسخه.
فقال: مولانا السلطان متحمّل عليهم، يودّ لو أعير جناحي طائر ليطير إليهم.
فقلت: يتأمّل مولانا هذا الفصل من الهدنة. وهو على أن تكون التجّار والسّفّار والمترددين، آمنين مخفرين من الجهتين في حال سفرهم وإقامتهم، وصدورهم وورودهم. هذا نصّ الفصل الذي تضمّنته الهدنة.
فقلت له: وهؤلاء الذين اعتمد فيهم ما / ١٢٩ أ / اعتمد تجّار. وقد خولف شرط الهدنة في إهمال أمرهم إلاّ أن تقوم بيّنة ممّن هو مرصد من نوّاب المسلمين الضّابطين للدعاوى.
فقال: قد وردت كتب النّوّاب بأنّ الأمر لم يكن كما أنهوه، وأنّ المسلمين الذين شنقوا.
فقلت: لقد انفسخت الهدنة بهذا الحكم.
فلمّا أفتي مولانا السلطان بفتحها عزم، إلاّ أنّ الأجل ردّه من الطّريق. وموافاة المنيّة قد حملت كلّ قلب من مكانه ما لا يطيق.